لم يكن الاستقبال السئ الذى قوبل به الرئيس التركى فى ولاية كنتاكى الأمريكية خلال مشاركته فى تشييع جنازة الملاكم العالمى محمد على كلاى ورفع اسمه من قائمة المتحدثين إلا إعلان عن انقضاء شهر العسل بين أردوغان والغرب، وتأكيدا على أن شريك الأمس لم يعد رجل المرحلة وبدأ عهد جديد تدير فيه أوروبا وأمريكا ظهورهم للرئيس التركى.
الأشهر الماضية حملت العديد من المواقف التى تؤكد أن هناك حالة من فقدان الثقة وربما تصل الى حد الانقلاب على اردوغان وحكومته ،خاصة بعد ان أطاح العثمانى التركى بأكبر منافس له احمد داود أوغلو والذى كان يمثل حلقة الوصل بين الغرب وتركيا بل وكان يرى فيه الكثيرين وجه جديد بإمكانه أن يحل محل أردوغان الذى بدأ يسبب صداعا فى رأس الجميع.
وبعد أن كانت تلميحات الغرب لأردوغان بعدم الرغبة بالتعاون الجدي معه خفيه أصبحت الفترة الأخيرة واضحة ومتعمده احيانا، وها هى أوروبا التى هرولت بالأمس لتوقيع اتفاق مع تركيا للحد من تدفق اللاجئين الأزمة التى تعانى منها القارة العجوز تنقلب على شريكها بعد ان أدركت أن أردوغان استخدم أزمة اللاجئين لتحقيق مكاسب ومطامع شخصية بالحصول على أموال من اوروبا ومساومة دولها للانضمام للإتحاد الأوروبى الحلم الذى كان ومازال يراود الأتراك.
الاتفاق الهش يقف على شفا حفره الانهيار بل وبدأت الدول الأوروبية فى توجيه ضربات متتاليه لأنقرة، وكانت أقوى ضربه عندما أعتمد البرلمان الألمانى "البوندستاج" مشروع قرار بالاعتراف بالمذابح الجماعية التي تعرض لها الأرمن في الدولة العثمانية عام 1915، والتى سبقها بأيام قيام رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون، بالسخرية من أردوغان قائلا " تركيا لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي قبل عام 3000".
كل تلك الأحداث لم تلقن الرئيس التركى درسا بل زادته جنونا حتى أنه طالب بتحليل دماء بعض النواب الألمان من أصول تركية والذين شاركو فى التصويت على الإعتراف بابادة الأرمن، للتحقق من انتمائهم التركي فعلا، وهو التصرف الذى صدم الأوروبيين وذكرهم بأيام ألمانيا النازية.
وليس هذا فحسب بل أن الغرب بدأ يلاعب تركيا بملف حقوق الإنسان والحريات العامه والإعلام بعد حملة شرسة من الحكومة التركية ضد المعارضين والصحفيين، وبعد ان كانت أوروبا تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان فى انقره أملا فى أن تنجيها من أزمة اللاجئين أصبحت تسخدمها الن سلاحا ضدها، وانتقدت وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين السياسة الداخلية لتركيا، وقالت في تصريحات لصحيفة "فيلت أم زونتاغ" الألمانية "إن هناك تطورات في تركيا تقلقنا بشدة مثل القيود المفروضة على حرية الإعلام أو إهانة حقوق الإنسان والأقليات أو طريقة التعامل مع البرلمانيين، ولا يمكن التغاضى عنها، وعلى أنقره أن تتوافر بها قدرة على تحمل اختلافات الرأي".
وحول هذا الموضوع كتب المحلل السياسي الروسي فياتشسلاف ميخايلوف مقالة ذكر فيها أن الأوساط الأمريكية والأوروبية فقدت ثقتها في الرئيس رجب طيب أردوغان ومنظومة الحكم التي أقامها في تركيا، ولم تعد واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى تنظر في موضوع استعادة المستويات السابقة من الشراكة مع الحكومة التركية الحالية.
ولفت المحلل السياسى فى مقالته إلى أن الغرب اختار طريق المواجهة مع الرئيس التركي الذي فقد الشعور بالواقع، إلا أنهم فى الوقت ذاته يريدون الحفاظ على تركيا داخل الناتو ولكن بدون حاكمها الحالي، حتى انه يجرى التلميح إلى أن عملية انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي ستنال دفعة جديدة في حال تنحى ورحل أردوغان.
واذا كانت تلك الأسباب قلبت أوروبا على أردوغان فلا يمكن تجاهل ملف الأكراد الذى تسبب فى توتر العلاقات التركية الأمريكية، حيث نشرت صحيفة ميليت التركية مقالا أكدت فيه وجود تجاهل أمريكي كبير للقلق التركى جراء استمرار الدعم الذى تقدمه إدارة الرئيس باراك أوباما للأكراد فى سوريا، وأن واشنطن تمسكت بحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا رغم كل التحذيرات التي تتلقاها من أنقرة، فهم يصرون على دعم الأكراد فى سوريا رغم الحساسية والقلق التركى، متجاهلون بذلك حليفهم التركى.
ومنحت واشنطن المقاتلين الأكراد فرصة المشاركة في الحملة العسكرية التي تهدف في الأساس للسيطرة على بلدة منبج، والتي تعد المنفذ الوحيد الذي يربط تنظيم “داعش” بتركيا والعالم الخارجي، وهو الأمر الذي اعتبره قطاع كبير من المحللين تجاهلا أمريكيا صريحا لمعارضة الحكومة التركية للمشاركة الكردية فى هذه العملية، فى ظل الصراع الكبير بين الحكومة التركية والأكراد منذ العام الماضى.
مواقف الغرب تلك من الرئيس التركى تأتى فى وقت حرج يمر به الداخل التركى حيث يعانى قطاع السياحة تدهورا كبيرا جراء العمليات الإرهابية المتتالية بالإضافة الى وجود امتعاض يزداد في الجيش التركى وخاصة في قياداته تجاه الحزب الحاكم في تركيا وتجاه أردوغان الذي حاول تطهير القيادات العليا العسكرية من المعارضين له، ووالذى يزداد حدة مع تفاقم الوضع في سوريا وفي القتال مع الأكراد.
الغرب يأس من أردوغان وبدأ يبحث عن بديل جديد ولكنه يستبعد الإطاحة بالرئيس التركى بانقلاب عسكرى كما كان معتادا فى تركيا، بل أن أوروبا وواشنطن تركز الاهتمام على تقوية جبهات أخرى داخلية مثل الحزب الجمهورى بشكل يسمح بتشكيل تحالف يمكنه التصدى لحزب اردوغان.