«إن نشرات الأخبار لن تبدأ بعد الآن بالصوت الحزين لمذيع الراديو وهو يخبرنا بأسماء الشباب الإسرائيلى الذين سقطوا فى المعركة، إن ما حصدته الحرب من الأرواح والمعدات الثمينة جعل الحرب مكلفة بالنسبة لنا».. جاءت هذه الكلمات على لسان وزير الخارجية الإسرائيلى «أبا إيبان» تعبيرا عن سعادته بقرار وقف إطلاق النار على جبهات القتال بين مصر وإسرائيل، الذى بدأ سريانه يوم 8 أغسطس 1970 تنفيذا لمبادرة وزير الخارجية الأمريكية «روجرز».
كانت حرب الاستنزاف التى يخوضها الجيش المصرى ضد إسرائيل هى المقصودة بكلمات «أبا إيبان» التى أوردها الكاتب الصحفى محمود عوض، فى كتابه «انفراد، الحرب المستحيلة، حرب الاستنزاف»، وأورد أيضًا رأى حاييم «هيرتزوغ» الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية: «لم تكن الحرب بالنسبة لإسرائيل سهلة من حيث القتلى، ببراويز سوداء تظهر يوميا فى الصحف الإسرائيلية حول صور الجنود والضباط الذين سقطوا قتلى فى اليوم السابق، لقد كانت بالضرورة حرب أعصاب، وبالنسبة للرأى العام الإسرائيلى الذى اعتاد على نتائج سريعة وسهلة فى الحروب مع العرب، فإن الموقف «الذى خلقته حرب الاستنزاف المصرية» لم يكن فيه ما يساعد روحهم المعنوية».
قال «أبا إيبان» و«هيرتزوغ» هذه الكلمات فى أغسطس 1970، وكانت اعترافا بهزيمة الجيش الإسرائيلى فى حرب الاستنزاف، وقبل هذا بأقل من عام وتحديدا فى 26 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1970 كان موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى يعترف: خسائر إسرائيل فى جبهة القتال تضاعفت 3 مرات، وفقًا لمانشيت الأهرام يوم 27 سبتمبر 1969، وفى التفاصيل: «أعلن الجنرال موشى ديان أن خسائر إسرائيل على خطوط وقف إطلاق النار ارتفعت الآن إلى ثلاثة أضعاف خسائرها بعد حرب يونيو مباشرة، وقد أورد وزير الدفاع الإسرائيلى، وهو يتحدث فى اجتماع سياسى مفتتحا الحملة الانتخابية لحزب العمال، أرقاما لهذه الخسائر تبدى عليها الدوائر الدبلوماسية تحفظات كثيرة، وقال ديان «إن 155 جنديا إسرائيليا يسقطون الآن كل شهر بين قتيل وجريح، مقابل 50 جنديا كل شهر فى العام الأول و80 كل شهر فى العام الثانى».
وأضاف «ديان» أن إسرائيل تكبدت فى أول شهرين من السنة الثالثة «يوليو وأغسطس» 310 قتلى وجرحى على خطوط وقف إطلاق النار، وقال إن مجموع خسائر إسرائيل فى قواتها المسلحة على خطوط وقف إطلاق النار منذ حرب يونيو بلغ 450 قتيلا و1700 جريح.
تذكر «الأهرام» أنه ورغم أن وزير الدفاع الإسرائيلى لم يذكر توزيع هذه الخسائر على جبهات القتال، إلا أن الدوائر العسكرية الإسرائيلية لا تخفى أن أغلب تلك الخسائر فى الجبهة المصرية، حيث تدور كل يوم معارك عنيفة بالمدفعية الثقيلة والطيران».
بعد لغة الأرقام انتقل ديان إلى طرح احتمالات ثلاثة ممكنة أمام إسرائيل لوقف حرب الاستنزاف الدائرة الآن، قال عن الاحتمال الأول: انسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة مع تعديلات طفيفة فى الحدود، وقال إن ذلك قد يضمن لإسرائيل الهدوء بضع سنوات، إلا أننا بذلك نكون كسبنا الحرب وخسرنا السلام، حيث إن كل شىء سيبدأ من جديد.. أما الاحتمال الثانى: القيام بهجوم عام عبر خطوط وقف القتال واحتلال القاهرة ودمشق وعمان، وهذا الاحتمال مستبعد لاستحالته.. والاحتمال الثالث: رسم خريطة جديدة لإسرائيل مع الاستمرار فى تدعيم الخطوط الحالية بإنشاء مستعمرات إسرائيلية فى الأراضى العربية المحتلة».
وذكرت «الأهرام» ما وصفته بأنه «ملاحظات أبدتها الدوائر الدبلوماسية فى تل أبيب على خطاب ديان».. قالت: أولًا، إن وزير الدفاع الإسرائيلى اعترف من قبل بازدياد خسائر إسرائيل سواء فى المعارك التى تدور على خطوط وقف إطلاق النار أو فى عمليات المقاومة، ولكن هذه هى المرة التى يعترف فيها بأن خسائر إسرائيل قد تضاعفت ثلاث مرات فى عامين وشهرين.. ثانيا: أن الأرقام التى أوردها ديان فى خسائر القوات المسلحة فيها تحفظ كبير ولا تعكس الخسائر الحقيقية، وحتى الأرقام التى أوردها ديان فيها تناقض واضح يثبت أن إسرائيل لا تذكر الحقيقة عندما تذيع أرقام خسائرها، إذ أن مجموع ما ذكره ديان عن متوسط الخسائر الشهرى فى عامين مضافا إليه خسائر الشهرين الأولين من العام الثالث يبلغ 1870 قتيلا وجريحا، بينما المجموع الكلى للخسائر كما ورد على لسان ديان عن نفس المدة وفى نفس الخطاب هو 2150 قتيلا وجريحا.
ثالثا: هذه هى المرة الأولى التى يعترف فيها أحد قادة إسرائيل بأن إسرائيل لم تكسب معركة السلام رغم أنها كسبت معركة عسكرية «5 يونيو 1967».