صعود فاجئ الكثير ممن استبعدوا وصول أولاف شولتز إلى قمة استطلاعات الرأي ليكون خليفة أنجيلا ميركل والفوز بمنصب المستشار، خاصة بعد أن لقب بالرجل الآلي والذي لا يتمتع بأي كاريزما، لكنه فاز في كل المناظرات التي جمعته بالمرشحين المنافسين.
اكتسب خبرته كوزير مالية قاد ألمانيا في واحدة من أصعب المراحل الاقتصادية وسط جائحة كوفيد 19 والفيضانات التي اجتاحت البلاد، واعتمد على سياسة تصوير نفسه على أنه امتداد لميركل، بهدف سحب الناخبين المستائين من مرشح الديمقراطيين المسيحيين إليه.
لم تفلح الفضائح التي ارتبط بها اسم شولتز بها في زعزعة ثقة الناخبين به، وخلال الأسبوع الماضي، نفذ عشرات من عناصر الشرطة مداهمة استهدفت وزارته بحثاً عن وثائق تتعلق بغسيل أموال يزعم مكتب المدعي العام أن الوزارة لم تمرّرها للسلطات التنفيذية للتحرك بناءً عليها ، ومع هذا، لم يكترث كثيراً بهذه العملية على الرغم من أنها تأتي على خلفية فضيحة مالية أخرى تُعرف باسم فضيحة وايركارد ، وهي أكبر فضيحة مالية تواجه ألمانيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، كما فتح مجلس النواب الألماني تحقيقاً في الفضيحة مطلع العام لمعرفة مدى تورّط شولتز بالقضية، نظراً لكون وزارته مسؤولة عن هيئة الرقابة المالية التي أخفقت في كشف عمليات الاحتيال الدائرة داخل الشركة، أو ساهمت بالتغطية عليها.
ويطالب شولتز بالتركيز على إنجازاته المالية ومشاريعه المستقبلية ويعلن أنه يريد حل مشكلة السكن من خلال بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة، ويشير إلى تاريخه في هامبورج ونجاحه في بناء آلاف الوحدات السكنية هناك بأسعار زهيدة، ومن دون أن يوقِع المدينة في ديون.
ويتطرق أيضًا إلى مساعيه لرفع الحد الأدنى للأجور وزيادة الاستثمار العام في المشاريع الخضراء لمكافحة التغير المناخي.
من جانب آخر، مع أن شولتز ينتمي إلى حزب اشتراكي، فهو يُعد من تيار المحافظين داخل الحزب وليس من الجناح اليساري المتطرف. ولذلك فإن سياساته المالية ليست راديكالية. وعلى الرغم من أنه لا يؤمن بمبدأ الاقتراض للاستثمار، فهو كان من الأساسيين الذين أعدوا الحزمة المالية الأوروبية لمساعدة دول الاتحاد الأوروبي التي تعاني بسبب أزمة كورونا.
ولد أولاف شولتز في مدينة أوزنابروك، بولاية ساكسونيا السفلى في شمال غربي ألمانيا، يوم 14 يونيو 1958. وبدأ شولتز المتزوج منذ عام 1998 حياته بعيداً عن السياسة، إذ درس الحقوق في جامعة هامبوررج، ومن ثم مارس مهنة المحاماة لعدة سنوات كمحامي شركات قبل الانتقال إلى السياسة.
انتُخب عام 1998 عندما كان في الأربعين من العمر، للمرة الأولى نائباً في البرلمان المحلي في هامبورج، حيث نشأ وكبر مع والديه، واستقال من المقعد عام 2001 بعدما قبِل بمنصب وزير داخلية الولاية، غير أنه لم يدم أكثر من بضعة أشهر في المنصب الذي غادره بعد خسارة حزبه في الانتخابات.
و في 2002 نجح في دخول البرلمان الفيدرالي الاتحادي الألماني في برلين، وأصبح أيضاً السكرتير العام في حزبه الحزب الديمقراطي الاجتماعي الاشتراكي ، وظل في المنصب لمدة سنتين حتى 2004 حين استقال إثر تقديم زعيم الحزب جيرهارد شرودر استقالته من المنصب أمام انقسام الحزب عليه وتدني شعبيته.
عام 2007 انضم شولتز للمرة الأولى لحكومة المستشارة ميركل كوزير للعمل والشؤون الاجتماعية وبقي في منصبه حتى عام 2009، وبعد ذلك انتُخب نائباً لرئيس الحزب وبقي في منصبه سنتين قبل أن يعود إلى هامبورج عام 2011 ليصبح عمدة للمدينة حتى عام 2018، وخلاله عندما عاد إلى برلين ليشغل منصب وزير المالية الفيدرالي ونائب المستشارة.
ساعدت خبرة شولتز في الحكومة على إقناع أعضاء حزبه بالتصويت له للترشح لمنصب المستشارية، فهو منذ دخوله الحكومة الفيدرالية قبل 3 سنوات، نجح في بناء علاقات قوية مع زعماء أوروبيين ودوليين التقاهم غير مرة بسبب منصبه.
اولاف كان شولتز المرشح الأول الذي استقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه بباريس قبل أسابيع، فيما قرأه البعض مؤشراً إلى دعم ماكرون له، كما عمل مع فرنسا خلال السنوات الثلاث الماضية على مجموعة من القوانين المالية المهمة في أوروبا، أبرزها المتعلقة بتبني قواعد ضريبية أساسية تُفرض على كبرى شركات التكنولوجيا مثل جوجل وأبل وغيرها.
وإذا نجح شولتز فعلاً في الانتخابات، وتمكّن من تشكيل حكومة ائتلافية، فهو سيكون الزعيم الرابع فقط من الاشتراكيين الذي يقود البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، إذ سبقه فيلي براندت وهيلموت شميدت وجيرهارد شرودر الذين كانوا يتمتعون بسحر ينقص شولتز ، فإنه اليوم يبدو الرجل الذي تحتاج إليه ألمانيا لطمأنتها إلى أن الاستقرار الذي عرفته طوال السنوات الـ16 الماضية، باقٍ وراسخ.