على مدى يومين انعقد منتدى الاتصال الحكومى بالشارقة، وهو النسخة العاشرة التى خصصت للبحث عن طريقة لتقديم خطاب حكومى مقنع للجمهور فى ظل تعقيدات أدوات الاتصال والتواصل، والتى فرضت نفسها على النقاش العام، وجعلت المجتمع طرفا فى تداول المعلومات والأخبار والشائعات، ضمن عملية تفاعل بميزاتها وعيوبها.
المنتدى جمع عددا من صناع الإعلام والمؤثرين فى السوشيال ميديا، بحثا عن إجابات حول أسئلة اليوم، كيف يمكن للجهات الرسمية إقناع الجمهور بخطاب متماسك فى وقت تزدحم فيه أدوات التواصل بآراء ومعلومات متضاربة يصعب فيها أحيانا التفرقة بين الدعاية السلبية أو الأخبار والمعلومات العادية، وهل يتأثر الجمهور بالدعايات السيئة السلبية، والتى قد تفقده الثقة فى نفسه.
هل تحتاج الحكومة إلى خطاب جديد تستفيد فيه من تجارب السوشيال ميديا، وإذا كانت الجهات التى تشكك تستخدم طرق تأثير نفسية، فهل يفترض أن توظف الحكومات خبراء سلوك لضبط الخطاب الحكومى.
المنتدى شهد الكثير من الجلسات والورش حول نظريات المؤامرة ودور الإعلام فى توصيل الرسالة العامة ونشر الوعى، وفى السياق مستقبل الصحافة فى ظل انتشار مواقع التواصل، وكيف تمكن الاستفادة من هذه الأدوات فى صناعة محتوى يتناسب مع السرعة وحجم التحولات فى عمليات النشر.
والواقع أن البحث عن مستقبل الصحافة والإعلام هو موضوع يشغل الإعلاميين والحكومات والأشخاص الباحثين عن دور مع وجود اختبار وجودى يواجه الصحافة مع أدوات الاتصال، وهو اختبار غير مسبوق.
وبناء على هذا كله كان منتدى الشارقة يطرح العديد من الأسئلة حول ما يفترض أن يكون عليه الخطاب الرسمى، مع وجود تأثيرات وقفزات تتطلب تطوير الخطاب والاتصال الحكومى بالشكل الذى يتناسب مع التطورات الهائلة فى صناعة المحتوى، باعتبار أن الخطاب الاتصالى بشكل عام بحاجة إلى تطوير وتحديث، توازيا مع ما يقدم من خدمات وما يجرى من تطور فى أداء الحكومة الحديثة يتطلب أن يكون الخطاب على نفس المستوى.
فى جلسة «فاعلية الرسائل الاتصالية بين علم السلوك والبيانات الضخمة»، كانت أزمة كورونا والتعامل معها إعلاميا نموذجا للدور المزدوج الذى تلعبه وسائل التواصل بما توفره من سرعة فى نقل الرسائل الاتصالية إلى الجمهور المستهدف، وكونها سلاحا ذا حدين يمكن أن يحمل التضليل والتوعية، فى بداية انتشار الوباء كادت أن تكون مصدرا لنشر المعلومات الخاطئة، ثم أسهمت بشكل فعال فى نشر التوعية ونقلت رسائل الحكومات والجهات الصحية إلى المجتمعات وأحدثت تأثيرا إيجابيا.
كورونا حاضرة كمثال لأهمية تعديل الخطاب الحكومى من حيث التعامل مع الأخبار المضللة، وأهمية وجود خطاب واضح من الحكومة على مواقع التواصل.
وناقش المتحدثون أهمية توظيف مختصين بعلم السلوك فى صياغة الرسائل الإعلامية، وضرورة تدعيم فرق الاتصال الحكومى بخبراء فى هذا الجانب، لفهم اتجاهات وميول الجمهور المستهدف، خاصة أن الجمهور بات وعيه يتشكل بشكل فردى، تبعا لتفضيلات كل شخص وطبيعة اهتماماته على الإنترنت، وما تقترحه عليه المنصات المختلفة بناء على تلك التفضيلات.
مع أهمية أن تكون فرق الإعلام الحكومى على دراية ومعرفة بالجوانب التقنية المختلفة ذات الصلة بوسائل التواصل الاجتماعى، وما تتطلبه من فهم لآلية عملها على مستوى الخوارزميات التى تتحكم فى الإبقاء على المحتوى فى الواجهة، على اعتبار أن استخدام هذه الوسائل لإيصال الرسائل إلى الجمهور بات يمثل نقلة نوعية فى شكل وصياغة مضمون المحتوى ليناسب الأدوات الجديدة، وليس مجرد نقل للمحتوى الذى كان ملائما فى السابق ليتناسب مع الإعلام التقليدى.
من بين الموضوعات التى ناقشها المنتدى «نظرية المؤامرة.. هل يمكن اختراقها؟»، واستضاف عددا من الخبراء فى الإعلام والاستشارات السياسية، وفيليب هاموند عضو مجلس اللوردات فى المملكة المتحدة، ونارت بوران، وأدار الجلسة نديم قطيش، الإعلامى فى قناة سكاى نيوز عربية.
تناول الحديث منصات التواصل الاجتماعى وسرعة نقل المعلومة عبرها، وكيف ساهمت بشكل مباشر فى انتشار نظرية المؤامرة وتأثيرها فى صناعة حالة من الاغتراب بين الجمهور، وعدم وضوح الرؤية بما يتعلق بنقل المعلومة، وأن مواجهة نظريات المؤامرة تحتاج إلى استراتيجيات عملية، عبر تقديم الحقائق بطريقة جذابة، تخاطب المشاعر، واستعارة بعض الوسائل التى تعمل بها لاستخدامها فى تفنيدها، وتطوير مناهج التعليم والعقل النقدى لدى الجمهور، لمنحه الثقة فى خطاب رسمى يستوعب المفردات، وأن تعمل على تعزيز جوانب الثقة مع المجتمع عبر الشفافية والوضوح، باعتبار أن المعلومات تقتل الشائعات، وتمنع أى تفسيرات خاطئة.
وبالطبع كانت الصحافة حاضرة كطرف فاعل عليه دور فى التوعية والسرعة والوصول للجمهور، محكوما بمواثيق وقواعد تحكم النشر.
كان هذا جزءا من نقاش طرحته جلسات وموضوعات منتدى الشارقة للاتصال الحكومى، حتى يمكن معالجة الفجوة بين الحكومة والدولة والجمهور.