تحية كاظم: أشار لى بيده أن أبقى كما أنا جالسة فبقيت حوالى عشرة دقائق وهو راقد لم يتكلم
زوجة جمال عبد الناصر: وجدت الكل يخرج وينزل السلالم فدخلت مسرعة ورأيت حسين الشافعى يخرج من الحجرة يبكى
تحية كاظم: وقفت بجواره أقبله وأبكيه ثم خرجت من الحجرة لاستبدل ملابسى والبس ملابس الحداد
زوجة الزعيم الراحل: جمال عبد الناصر الذى عاش عظيما وهو فى رحاب الله عظيما تاريخه وحده هو شاهده
لا أحد يعرف الكثير عن الحياة الشخصية للرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، وتفاصيلها وأسرارها، ولا يمكن لأحد أن يتحدث عن تفاصيل الأيام الأخيرة، أفضل من زوجته تحية كاظم.ولما لا وهى أقرب الناس إلى قلبه ورفيقة الدرب والحب الأول والأخير له، عاشت معه لسنوات عديدة كانت دائما خزينة الأسرار، واليد التي تطبطب في وقت الحزن والغضب، والتى تحتوى الهموم والشدة.
في مذكراتها التي كتبتها عقب وفاته، كان من بين فصول تلك المذكرات اللحظات الأخيرة فى حياة الزعيم الراحل، ولم نجد أفضل من هذا الفصل لنستعرضه لكم في الذكرى الـ 51 ، لوفاة الزعيم الراحل، لتحكى في لحظات الألم على فقدان عشرة العمر وحبيب القلب.
مؤتمر الهليتون
وتقول تحية كاظم عن تلك اللحظات الأخيرة في مذكراتها : لبث الرئيس فى الهيلتون، وكنت أتتبع الأخبار فى الجرائد والاذاعة والتليفزيون، وفى يوم الأحد ، وكنت جالسة أمام التليفزيون وكانت نشرة الأخبار الساعة التاسعة مساء تقرأها المذيعة سميرة الكيلانى، وقالت : لقد تم الوفاق، واختتم المؤتمر أعماله ، وغادر الضيوف من الملوك والرؤساء القاهرة، وكان فى توديعهم الرئيس، وسيغادر الباقى غدا، فهللت من الفرحة وصفقت بيدى، وكانت ابنتى منى حضرت فى هذه اللحظة، وبعد انتهاء نشرة الأخبار، قالت لى : نشاهد يا ماما فيلم فى السينما؟ ونزلنا للدور الأول.
وتضيف زوجة الرئيس الراحل: فى الساعة العاشرة والنصف جاء لى السفرجى يقول : لقد حضر سيادة الرئيس، فقلت لمنى : فلتكملى أنت الفيلم وسأصعد وتركتها، دخلت الحجرة، وجدت الرئيس راقدا على السرير صافحته بحرارة، وقلت له: الحمد لله لقد سمعت نشرة الأخبار، وفرحت جدا وهللت، فقال : الحمد لله .. وكان قد طلب العشاء، وسألنى :هل تناولت عشائك؟ فقلت : نعم .. وجلست معه ولم يأكل إلا لبن زبادى ورجع إلى السرير .
توديع الملك فيصل وأمير الكويت
وتتابع تحية كاظم : لم تستكمل منى مشاهدة الفيلم، وطلعت ودخلت حجرة والدها، وصافحته وجلست معه على طرف السرير، وحضر خالد أيضا وصافحه وجلسا فى الحجرة قليلا يتحدثان مع والدهما، وظل الرئيس يتحدث فى التليفون حتى الساعة الثانية عشرة، ثم قال : سأنام مبكرا، وغدا سأذهب فى الصباح لتوديع الملك فيصل وأمير الكويت وأطفأ النور ونام .
وتقول زوجة الزعيم : فى الصباح استيقظ الرئيس قبل الثامنة، وحضر الدكتور الخاص، وكنت قمت وخرجت من الحجرة، ودخلت حجرتى ، وكنت استعد للدخول للرئيس فى حجرته لأتناول معه الإفطار فدخل لى فى الحجرة لتحيتى قبل خروجه، وقال : سأذهب للمطار، ووجدت الإفطار قد جهز فى حجرته ولم يتناول شيئا، وعلمت أنه تناول فاكهة فقط، ورجع الرئيس فى الساعة الثانية عشرة، وحضر الدكتور الخاص ودخل له ، وكنت سأدخل للرئيس ووجدت الدكتور يجرى له فحص رسم قلب فرجعت ولم أدخل له فى الحجرة ، ثم بعد ذلك خرج الرئيس مرة ثانية لتوديع أمير الكويت .
وتضيف تحية كاظم : رجع الرئيس من المطار فى الساعة الثالثة بعد الظهر، وعند خروجى من حجرتى وجدت ابنتى هدى تستعد لتذهب إلى بيتها بعد أن انتهت من الشغل، وكانت تجلس فى مكتب والدها فى الدور الثانى تعمل سكرتيرة له منذ عام، وكان الرئيس بعد مضى بضعة شهور من شغلها معه قال لى : إن هدى الآن تدربت على العمل معى وتعلمت وبتريحنى، وكان سعيدا بها، وقالت لى هدى بصوت خافت، وكنت مشيت حتى باب حجرة النوم : إن بابا تعبان وسينام، فرآنى وقال : تعالى يا تحيه، فدخلت الحجرة ، وأشار لى بيده وهو راقد على السرير أن أجلس، فجلست على طرف السرير فسألنى : هل تناولت الغداء يا تحيه ؟ قلت : نعم تناولته مع الأولاد، فقال لى : أنا مش هاتغدى، وأشار لى بيده أن أبقى كما أنا جالسة فبقيت حوالى عشرة دقائق وهو راقد لم يتكلم .
الدكتور الصاوى حبيب
وتتابع تحية كاظم: حضر الدكتور الصاوى حبيب فقال له الرئيس :ادخل يا صاوى فدخل ، وقمت كعادتى عند دخول الأطباء له فى الحجرة وخرجت الى المكتب ، فقال الدكتور :نريد عصير، فذهبت وأحضرت عصير برتقال وليمون جهزته بنفسى بسرعة وحملتهما ودخلت له فى الحجرة ، وقلت : هذا برتقال محفوظ وليمون طازج فقال : آخذ برتقال ، وشرب الكوب وأنا واقفة وقال لى : متشكر، ثم خرجت من الحجرة وجلست فى حجرة المكتب، وبعد دقائق حضر دكتور اختصاصى، منصور فايز فقلت له بالحرف: انت جيت ليه يا دكتور دلوقتى ؟، أنا لما بأشوفك بأعرف إن الرئيس تعبان وبأكون مشغوله، فرد وقال : أنا معتاد أن أحضر كل أسبوع فى يوم الإثنين واليوم الإثنين ودخل للرئيس .
حسين الشافعى ومحمد حسنين هيكل
وتضيف زوجة الرئيس الراحل : بقيت جالسة فى حجرة المكتب وسمعت الرئيس يتحدث ، وسمعت الراديو ونشرة الأخبار فى إذاعة لندن، وقالت لى ابنتى منى : بابا بخير والحمد لله تعالى نخرج من هنا، وخرجت معها وجلسنا على الترابيزة فى حجرة السفرة، وبعد دقائق جاء لى الدكتور الاختصاصى، وقال : الرئيس الآن تحسن وإذا أردت الدخول له فلتدخلى، وأخذ يدخن سيجارة فقلت له: لا داعى حتى لا يشعر إنى قلقة، وبعد لحظات جاء الدكتور الصاوى يجرى مسرعا وقال: تعالى يا دكتور ودخل الدكتور يجرى، ودخلت لحجرة المكتب ومنعتنى منى من الدخول لوالدها، وقالت إن بابا بخير لا تخافى يا ماما، وأجلستنى فى حجرة المكتب وجلست معى، وبعد فترة حضر دكتور آخر ثم دكتور ثالث، فدخلت عنده ووجدت الأطباء بجانبه يحاولون علاجه، وكنت أبكى وخرجت حتى لا يرانى الرئيس وأنا أبكى، ثم دخلت له مرة ثانية وازداد بكائى وخرجت وجلست فى حجرة المكتب، ودخل عدد من السكرتارية، ثم حضر حسين الشافعى ومحمد حسنين هيكل، وكل واحد يدخل الحجرة ولا يخرج منها وكنت أبكى.
ملابس الحداد
وتتابع تحية كاظم: أصرت منى أن أخرج إلى الصالة، فكنت أمشى وأقول : جمال جمال، ووجدت الكل يخرج وينزل السلالم فدخلت مسرعة، ورأيت حسين الشافعى يخرج من الحجرة يبكىن ويقول : مش معقول يا ريس، وحضر خالد وعبد الحكيم فى هذه اللحظةن ولم يكونوا فى البيت ولا يدرون شيئا، ودخلا مسرعان ، وحضرت هدى وكانت لا تعلم بما جرى بعد ذهابها لبيتها، ثم دخلت للرئيس ووقفت بجواره أقبله وأبكيه، ثم خرجت من الحجرة لاستبدل ملابسى والبس ملابس الحداد ، ونزلت مسرعة الى الدور الأول، ووجدت الكل، الأطباء والسكرتارية وهيكل وحسين الشافعى وأنور السادات حضر، والكل واقف فى الصالون .
وتقول زوجة الرئيس الراحل في نهاية مذكراتها: لقد عشت ثمانية عشر عاما لم تهزنى رئاسة الجمهورية، ولا زوجة رئيس الجمهورية، ولا أطلب منكم أى شئ أبدا، أريد أن يجهز لى مكان بجوار الرئيس لأكون بجانبهن وكل ما أرجوه أن أرقد بجواره، وخرجت إلى الصالةن وجاء لى هيكل والدكتور الصاوى، وطلبا منى أن أصعد للدور الثانى، ثم ادخلنى الدكتور حجرتىن وأعطانى دواء بضع حبات وظل بجانبى، ثم أعطانى حقنة، وحضرت إحدى قريباتى وظلت معى، وجاء عبد الحميد من الإسكندرية، ودخل لى فى الحجرةن وهو يبكى وقال : لقد قالوا لى إن بابا تعبان وحضرت فى طائرة، ودخلت هدى ومنى، ولم أدرى ما مضى من وقت، فقمت لأخرج من الحجرة فقال لى الدكتور: لما قمت ؟ فقلت سأذهب وأجلس بجانبه، فقالت هدى : لقد ذهب بابا لقصر القبة، وذهبنا معه، فقلت: حتى الآن أخذوه، والآن أعيش المرحلة الثالثة من حياتى حزينه أبكيه، وقد زاد حزنى حسرة ، وسأظل أبكيه حتى أرقد بجانبه في جامع جمال عبد الناصر بمنشية البكرى، وقد جهز لى المكان كما طلبت، إنه جمال عبد الناصر الذى عاش عظيما وهو فى رحاب الله عظيما تاريخه وحده هو شاهده.