الفصل بين السلطات أهم مبادئ الدولة الحديثة، حيث تصدر القوانين من السلطة التشريعية وتطبقها السلطة التنفيذية، ويبقى القضاء هو السلطة التى تقضى بين الحكومة والمواطن أو بين المواطنين وبعضهم، ويعد احترام القضاء واستقلاله وعدم التدخل فى شؤونه قاعدة دستورية لا يمكن الحياد عنها فى دولة القانون، وهذا ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى احتفالية يوم القضاء أمس، وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون توفير الإمكانات للمحاكم والقضاة بالشكل الذى يضمن العدالة الناجزة، التى تصدر أحكامها فى توقيتات مناسبة لتحقق العدالة، وأكد الرئيس أنه لا يلتقى بالقضاة إلا فى المناسبات الرسمية، وأن أى جهة لا يمكنها التدخل فى عمل القضاء.
وكانت المطالب، خلال العقود الماضية، أن يتم توسيع دوائر المحاكم، وتقليل أعداد القضايا، بالشكل الذى يمكن أصحاب الحق من الحصول على الأحكام بالشكل الذى يحقق العدالة، وعليه فإن وجود مدينة العدالة فى العاصمة الإدارية أو التطوير فى المحاكم وإدخال الرقمنة والتقنيات الحديثة فى الاطلاع وتقديم المذكرات، كلها خطوات تحقق نوعًا من العدل للمتقاضين، وتخفض من أوقات التقاضى، وهو ما أكد عليه الرئيس السيسى، فى كلمته، أنه جرى التطوير على عدة محاور لتشمل المقرات والآليات واستخدام التطبيقات التكنولوجية لتسهيل الحصول على المعلومة القانونية وسرعة مباشرة الإجراءات لإنجاز الدعاوى والخدمات الخاصة بالمواطنين، كما شمل التطوير كذلك بناء القدرات الشخصية وتعزيزها لانتقاء المتميزين وتأهيل القادرين على اعتلاء المناصب القضائية.
ووجه الرئيس الحكومة بتوفير المخصصات اللازمة لتطوير منظومة القضاء، وتحقيق العدالة الناجزة وتيسير الخدمات المقدمة للمواطنين، مؤكدًا على أن تنظيم العدالة وإدارتها بفاعلية وكفاءة مسألة ضرورية فى بناء دولة القانون التى كفل الدستور لها استقلال السلطة القضائية، وجعل هذا الاستقلال حائلًا دون التدخل فى أعمالها أو التأثير عليها لضمان صدور الأحكام القضائية، وفقًا لقواعد الإنصاف والحماية للمتقاضين.
والواقع أن الدولة، خلال السنوات السبع الماضية، اتخذت مجموعة من القرارات فيما يتعلق بتكافؤ الفرص بين المواطنين، فيما يتعلق بتولى المناصب القضائية، من أهمها تولى المرأة مناصب قضائية فى مجلس الدولة والنيابة العامة، اعتبارًا من شهر أكتوبر الجارى، وعدم تكرار أسماء المقبولين للتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، اعتبارًا من خريجى دفعة عام 2018 لمجلس الدولة والنيابة العامة، ودفعة 2013 بالنسبة للنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، وإمداد هيئة قضايا الدولة بأسباب عدم قبول طالب التعيين فى الوظائف القضائية لتقديمها إلى جهة القضاء فى الدعاوى المنظورة.
هذه القرارات تمثل خطوة مهمة فيما يتعلق بتكافؤ الفرص بين المواطنين الذين يتقدمون لتولى المناصب القضائية، وهى خطوات لم تكن مقررة فى السابق وكانت محل انتقاد، لأنها تحرم بعض فئات من حقهم فى تولى المناصب أو اعلان إسباب الرفض، وقد أصبح من حق المواطن الذى يتم استبعاده اللجوء للقضاء، بما يضمن المساواة أمام القانون، وهو أمر يقلل من التدخلات فى تعيين أعضاء السلك القضائى، ويدعم أن يتولى الأكفاء والمتفوقون هذه المناصب بالشكل الذى يدعم ميزان العدالة، هذا بجانب توحيد المستحقات المالية بين الدرجات المناظرة فى الجهات والهيئات القضائية الأربعة «القضاء - مجلس الدولة - النيابة الإدارية - قضايا الدولة»، وعدم تكرار ندب العضو القضائى الواحد فى أكثر من جهة.
ومن الرسائل اللافتة فى يوم القضاء، توجيه التحية للرئيس السابق المستشار عدلى منصور، الذى تولى مهمته فى قيادة الدولة فى وقت صعب بحكم الدستور، وأيضًا تكريم شهداء القضاء الذين سقطوا فى مواجهة الإرهاب، النائب العام السابق المستشار هشام بركات، والقضاة الذين استشهدوا أثناء عملهم فى العريش فى وقت المواجهة مع الإرهاب، تأكيدًا لدور القضاء فى مواجهة الإرهاب بجانب شهداء الجيش والشرطة، رسائل يوم القضاء «العدالة وتكافؤ الفرص والفصل بين السلطات».