كان يوم 5 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1964، حافلا بالإثارة والمغامرة فى قضية إصرار رئيس وزراء الكونغو «تشومبى» على حضور مؤتمر دول عدم الانحياز الثانى، الذى بدأت فعالياته فى نفس اليوم، بحضور 58 ملكا ورئيسا.
رفض معظم المشاركين حضور «تشومبى» لاتهامه بقتل «لومومبا» زعيم حركة التحرر الوطنى فى الكونغو يوم 17 يناير 1961، وأخطروا رئيس الكونغو بذلك فى برقيتين، واحدة بتوقيع ثلاثة رؤساء هم، اليوغسلافى تيتو، وعبدالناصر، وباندرانيكة رئيس وزراء سيريلانكا، والثانية بتوقيع عبدالناصر بتفويض من اللجنة السياسية للمؤتمر.. «راجع، ذات يوم، 4 أكتوبر 1964».
لم يستجب «تشومبى» لما حملته البرقيتان، وفقا لجريدة «الأهرام» يوم 6 أكتوبر 1964، وتذكر أنه كان فى طائرة من طائرات شركة «سابينا» البلجيكية صباح 5 أكتوبر، يحاول الهبوط فى مطار القاهرة، لكن المطار أخطره بأن المهبط الرئيسى للمطار غير مستعد - لظروف طارئة - أن يستقبل طائرته، فواصل السفر إلى العاصمة اليونانية «أثينا»، واستمر على اتصاله بمطار القاهرة، وفى المساء حملت البرقيات من أثينا ما يفيد أنه يئس من إمكان الوصول إلى القاهرة وكف عن المحاولة.
تذكر «الأهرام» تطورات الحوادث بين الصباح الباكر والمساء، قائلة إنه فى «ليوبولدفيل» عاصمة الكونغو، نجحا السفيران المصرى واليوغسلافى فى تسليم البرقيتين بإخطار رئيس الجمهورية بأن الاتجاه العام فى المؤتمر يعارض حضور «تشومبى»، وبرغم ذلك، وفى الساعة الواحدة صباحا تلقى مطار القاهرة الدولى إشارة من مطار «ليوبولدفيل» بأن طائرة خاصة من طراز شركة «سابينا»، غادرت المطار فعلا فى الساعة الحادية عشرة لتواصل الطيران بغير توقف إلى القاهرة، لتصل فوقها فى الساعة الرابعة وعشرين دقيقة صباحا، وقبل الموعد المحدد للوصول بقليل لم تكن طائرة «تشومبى» دخلت بعد إلى المجال الجوى لمصر، فاتصل مطار القاهرة بمطار «ليوبولدفيل»، فإذا به يخطر بشىء جديد وهو أن طائرة «سابينا» قامت فعلا فى موعدها المحدد، لكن تشومبى لم يكن عليها.
تضيف «الأهرام» أنه فى ذلك الوقت كان هناك استعداد فى مطار القاهرة لاحتمال وصول «تشومبى»، وبالتالى كان فى انتظاره اللواء سعد الدين الشريف الياور الطيار لرئاسة الجمهورية، واللواء على لبيب مدير مطار القاهرة، وكان كلاهما ينتظر وصول المهندس عبدالوهاب البشرى وزير الحربية، الذى كان مكلفا باستقبال «تشومبى» نائبا عن رئيس الجمهورية إذا تحقق وصوله.. تؤكد «الأهرام» أن الجميع تهيأ للانصراف حينما عرفوا أن «تشومبى» ليس بين ركاب الطائرة المنتظر وصولها، لكن بعض أعضاء سفارة الكونغو فى القاهرة الذين كانوا فى المطار، أصروا على أنه سوف يصل بالطائرة بعد دقائق، ثم تلقوا وهم فى مكانهم رسالة تخطرهم بأن موعد وصوله تأجل.
تواصل «الأهرام»، شرح التفاصيل المثيرة لهذه القصة، قائلة: «فى الساعة السابعة إلا عشر دقائق بالضبط تلقى مطار القاهرة رسالة من طائرة، دخلت نطاق عمله تطلب تصريحا بالنزول، وأنها تحمل إذنا بذلك صالحا لمدة أربع وعشرين ساعة، منحته لها سفارة مصر فى «ليوبولدفيل»، وأن «تشومبى» على ظهرها، فبعث مطار القاهرة برد بأن المطار غير صالح لهبوط الطائرة، لأن طائرة ضلت طريقها، وهبطت اضطراريا على الممر الرئيسى، وكسرت عجلاتها، وأن عملية سحب هذه الطائرة سوف يستغرق وقتا، ولهذا فمن المستحسن أن تبحث طائرة تشومبى عن مطار قريب آخر، حتى يتم سحب الطائرة المعطلة من الممر وإخلاؤه لنزول الطائرات القادمة.
اتجهت طائرة «تشومبى» تحمل ركابها إلى مطار أثينا، ومن مطار أثينا عاد تشومبى يتصل بمطار القاهرة ليسأل عن أحوال الممر، وأخطر فى الساعة التاسعة صباحا أن المطار أصبح صالحا للهبوط، لكن تبين أن الإذن الممنوح لطائرته بالمرور فى الأجواء المصرية انقضى موعده، وأن عليه التقدم بطلب إذن جديد.. تذكر «الأهرام» أن شركة «سابينا» يبدو أنها يئست من إمكان النزول فى القاهرة، فأعلنت أن طائراتها سوف تواصل رحلتها إلى جنيف، وفى أثينا بدأ تشومبى ومساعدوه فى البحث عن طائرة متجهة إلى القاهرة، وكانت هناك طائرتان لشركة الطيران المصرية وشركة الطيران اليوغسلافية تمران بأثينا، وتصلان إلى القاهرة فى المساء لكن تبين أن جميع مقاعدهما مشغولة.
حاول «تشومبى» الحصول على مقعد لطائرة تابعة لشركة الطيران الإيطالية تصل القاهرة فى الليل، لكن واجهته عقبات أخرى فى نفس الوقت الذى بدأ فيه المؤتمر أعماله، فأعلن أنه كف عن محاولته، وسوف يصدر بلاغا رسميا عن الموضوع، ثم أعلن بعد ذلك أنه سيبذل محاولة أخرى لحضور المؤتمر فى اليوم التالى «6 أكتوبر 1964» وبالفعل وصل إلى القاهرة ليدخل الموضوع فى إثارة أكبر.