تشهد الأسعار العالمية للنفط ومنتجاته زيادة مستمرة عالميا، حيث ارتفع سعر خام برنت من 64,81 دولار للبرميل (أو ما يعادل 1014 جنيها للبرميل) فى أبريل 2021، ليصل إلى 74.49 دولار أمريكى / للبرميل (أو ما يعادل 1166 جنيها للبرميل) فى المتوسط فى شهر سبتمبر 2021.
وخلال مطلع شهر أكتوبر 2021 واصلت الأسعار العالمية للنفط ارتفاعها المستمر لتصل إلى 81.44 دولار أمريكى للبرميل (أو ما يعادل 1275,35 جنيه للبرميل).. وبالتالى بلغ معدل التغير فى أسعار النفط الخام حوالى 25% فى 4 أكتوبر 2021 مقارنة بأبريل 2021.
وتجدر الإشارة إلى أن أحد افتراضات إعداد الموازنة العامة للدولة فى مصر لعام 2022/2021 كان من بينها أن متوسط سعر خام برنت خلال العام المالى 2022/2021 هو 60 دولار للبرميل، وعلى هذا الأساس تم تخصيص نحو 18,411 مليار جنيه لدعم المواد البترولية ليبلغ العجز الكلى للموازنة العامة للدولة أو الفارق بين الإيرادات والمصروفات العامة للدولة نحو 475,5 مليار جنيه.
وبالتالى فهناك ضرورة لتحريك أسعار البنزين حتى لا ترتفع فاتورة دعم المواد البترولية إلى 25 مليار جنيه، ويتفاقم عجز الموازنة العامة للدولة. وعلى الرغم من انخفاض الأسعار العالمية للنفط ومنتجاته خلال العام المالى السابق 2021/2020 فقد بلغت قيمة مخصصات دعم المواد البترولية فى مصر- والتى تمثل الفرق بين تكلفة الإنتاج أو الاستيراد والتسليم لأماكن البيع وسعر البيع للمستهلك النهائى - قد بلغت 28.193 مليار جنيه مصرى، وذلك لأن أسعار بيع المواد البترولية تقل عن تكلفتها.
ووفقا لموقع www.globalpetrolprices.com والذى يقوم بترتيب الدول بحسب أسعار بيع البنزين للمستهلك النهائي، فقد جاءت مصر فى الترتيب 17 عالميا من حيث أرخص الدول فى أسعار البنزين من بين 168 دولة، حيث يسبق مصر فى الترتيب الدول الغنية بالنفط مثل فنزويلا والكويت والعراق، كما أن عدد كبير من الدول اتجهت لتطبيق آلية التسعير التلقائى للمواد البترولية، ورفعت عدد من الدول برفع أسعار البنزين خلال شهر أكتوبر؛ ومنها الإمارات وتركيا ولبنان والهند.
بينما تشهد بعض الدول أزمات فى توفير الوقود ومنها المملكة المتحدة.. لماذا تقوم الدولة برفع أسعار المواد البترولية والكهرباء من الأصل؟ فقبل ثورة 25 يناير 2011 كانت الدولة تقدم دعما كبيرا للمواد البترولية والكهرباء، وهذا الدعم كان المستفيد الرئيسى منه طبقة الأغنياء والصناعات كثيفة استخدام الطاقة، واستمرت الدولة بدعم الأسعار إلى أن تدهورت البنية الأساسية لتوليد الكهرباء، وبدأت أزمات انقطاع الكهرباء منذ سنة 2009 وتفاقمت هذه الأزمة عام 2013.
كما أن الاستمرار فى دعم أسعار المواد البترولية أدى إلى ارتفاع مستحقات شركات البترول الأجنبية، مما أدى لظهور طوابير البنزين والسولار وصعوبة الحصول عليهما، وذلك خلال الفترة من 2011 حتى منتصف 2013 .
- تقليل الدعم الذى توجهه الدولة للمحروقات والكهرباء يساعدها على بناء وإصلاح وصيانة محطات الكهرباء بحيث تغطى الطلب، مما يساعد على توفير أهم ما يحتاجه المستثمرون ويدعم قدرتهم على الإنتاج مما يوفر فرص عمل ودخل ثابت للمشتغلين، ويتيح للدولة عمل مشروعات قومية ساعدت فى تشغيل أكثر من 5 ملايين مواطن، بدل مما كان عليه الحال قبل ثورة 30 يونيو 2013، حيث كان الدعم يوجه للصناعات كثيفة استخدام الطاقة والتى تولد عددا محدودا جدا من فرص العمل.
وعندما تجاوزت معدلات البطالة فى مصر 13,3 % ومعدلات بطالة الشباب كانت الأسر التى يتواجد فيها أفراد عاطلين عن العمل تناشد بتوجيه موارد الدولة لمشروعات تساعد على توفير فرص عمل ومصدر دخل للشباب بدلا من دعم البنزين والمواد البترولية الذى يستفيد منه الأغنياء على حساب الفقراء، كما أن تقليل دعم المواد البترولية والطاقة يساعد الدولة على توجيه الدعم لمستحقيه والتوسع فى برامج الحماية الاجتماعية.
جدير بالذكر أن تخفيض دعم المواد البترولية ساعد على إصلاح منظمة دعم رغيف الخبز (والقضاء على ظاهرة طوابير رغيف الخبز التى تفاقمت قبل ثورة يناير 2011)، كما أن تخفيض دعم المواد البترولية والطاقة ساعد على استحداث منظومة جديدة للسلع التموينية، واستحداث برنامج تكافل وكرامة وزيادة معاشات الضمان الاجتماعى للفئات الأكثر احتياجا، كما أن تخفيض دعم المواد البترولية والطاقة ساعد على توفير مخصصات أكبر للتعليم والصحة وعلاج مرضى فيروس سى وعمل مبادرة 100 مليون صحة والبدء فى تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل، ومبادرة تطوير الريف المصرى وغيرها.
هل هناك بدائل عن تعديل أسعار المواد البترولية والبنزين والطاقة؟ من المتوقع أن يبلغ عجز الموازنة العامة للدولة خلال العام المالى الحالى 2022/2021 نحو 475.5 مليار جنيه، كما أن الدين العام كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى فى مصر قد بلغت 91.5 % عام 2021/2020، ويشير الخبراء أن النسبة الآمنة للدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى تقتصر على 60% فقط)، ومن ثم فإن الاستمرار فى زيادة دعم البنزين والمواد البترولية يعنى تحميل الأجيال القادمة بفاتورة ديون مرتفعة.
ومن المؤكد أن أى دولة أو حكومة لن تقوم باتخاذ قرارات صعبة إلا إذا كان ليس هناك أى بديل أخر، ولو كانت منظومة دعم الطاقة القديمة - والتى كانت مطبقة قبل ثورة يناير 2011- فعالة وتحقق الهدف منها، ولو كانت تفيد محدود الدخل بأكبر فائدة ممكنة فإن الدولة لم تكن لتقدم على تطبيق برنامج إصلاح منظومة الطاقة من سنة 2015/2014.
كيف مولت الدولة دعم المواد البترولية قبل يناير 2011؟ منذ عام 2000 تم تمويل دعم المواد البترولية بالاقتراض من الداخل والخارج، وبدلا من الاقتراض لتمويل مشروعات استثمارية تدر عائدا نستطيع بواسطته سداد القروض وفوائدها وتوفير فرص عمل، كانت مصر تقترض لحرق البنزين والسولار والكهرباء.
يشار إلى أن لجنة التسعير التلقائى تجتمع كل ثلاثة أشهر، وتلتزم اللجنة بتحريك أسعار الوقود صعودا أو هبوطا بشكل تدريجى وبقدر محدود حتى يستطيع المواطنين التكيف مع الأسعار الجديدة. عندما انخفضت الأسعار العالمية للنفط ومنتجاته كان تخفيض السعر المحلى للبنزين فى مصر محدودا.. فلماذا لا تلتزم الدولة بخفض أسعار البنزين عند انخفاض أسعاره عاليا؟ فوفقا لموقع globalpetrolprices، والذى يقوم بترتيب الدول بحسب أسعار بيع البنزين للمستهلك النهائى فقد جاءت مصر فى الترتيب 17 عالميا، من حيث أرخص الدول فى أسعار البنزين من بين 168 دولة، حيث يسبق مصر فى الترتيب الدول الغنية بالنفط مثل فنزويلا والكويت والعراق، وحتى مع انخفاض الأسعار العالمية للبنزين، كان متوسط السعر المحلى أقل من السعر العالمى، وعلى الرغم من انخفاض الأسعار العالمية للنفط ومنتجاته خلال العام المالى السابق 2021/2020 فقد بلغت قيمة مخصصات دعم المواد البترولية فى مصر حوالى 28.193مليار جنيه مصرى.
كما تدعم الدولة المصرية المواطن بالعديد من الوسائل المختلفة عن تثبيت أسعار البنزين، ومن هذه الوسائل الجارى تطبيقها خلال العام المالى الحالى 2022/2021:
زيادة جملة الاستثمارات الحكومية إلى 358 مليار جنيه عام 2022/2021، مما يساعد على توفير فرص عمل.
بدأت الحكومة تمويل برنامج تطوير المشروع القومى لتنمية القرى والريف المصرى من خلال إعادة توجيه مخصصات بالموازنة بنحو 75 مليار جنيه سنويا (من خلال اعتمادات الموازنة الاستثمارية) لتمويل المشروع، وهو ما سيستفيد منه نحو 58 مليون مواطن.
يشهد العام المالى الحالى زيادة مخصصات الأجور وتعويضات العاملين بنحو 37 مليار جنيه لضمان وجود زيادة حقيقية فى دخول العاملين بأجهزة الموازنة ومع استهداف توجيه الجزء الأكبر من تلك الزيادة لتحسين أجور موظفى الدرجات الوسطى وكذلك دخول العاملين بقطاعى الصحة والتعليم.
منذ بداية العام المالى الحالى جرت زيادة المعاشات بنحو 13% لضمان وجود زيادة حقيقية فى دخول أكثر من 10 ملايين من أصحاب المعاشات، ومن المستهدف سداد القسط السنوى المستحق لصالح الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى بقيمة 180 مليار جنيه خلال عام 2022/2021.
يتضمن مشروع موازنة العام المالى 2022/2021 الاستمرار فى تمويل مجموعة من المزايا المالية للعاملين بالقطاعات الوظيفية الحيوية خاصة العاملين بقطاع التعليم والبحث العلمى والصحة.
يتضمن مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2022/2021 مخصصات لدعم السلع التموينية بنحو 87.2 مليار جنيه، حيث تغطى منظومة دعم الخبز نحو 71 مليون مستفيد وتغطى منظومة دعم البطاقات التموينية نحو 63.6 مليون مستفيد.
مخصصات بحوالى 19 مليار جنيه لبرامج تكافل وكرامة يسمح تقديم دعم نقدى شهرى لنحو 3,6 مليون أسرة من الأسر الأقل دخلا.
استكمال منظومة التأمين الصحى الشامل لتغطى محافظات الأقصر والإسماعيلية وجنوب سيناء وأسوان والسويس، بالإضافة إلى إثابة الأطقم الطبية ومعاونيهم والتمريض العاملين بالمبادرات المختلفة بقطاع الصحة خاصة العاملين بمواجهة فيروس كورونا والمبادرات الأخرى تحت مظلة (100 مليون صحة) بتكلفة تقدر بنحو مليار جنيه.
تخصيص 7.8 مليار جنيه بمشروع الموازنة لتمويل مبادرات الإسكان الاجتماعى.. حيث وضعت الدولة المصرية منذ عام 2015/2014 مجموعة من الضوابط الاقتصادية، من بينها عدم اتخاذ إجراء اقتصادى بدون أن يصاحبه إجراء اجتماعى يحقق قدرًا من الحماية الاجتماعية للفئات الأولى بالرعاية وتحسين أحوالهم المعيشية، والتأكد من أن أى إجراء اجتماعى لابد أن يكون له تمويل حقيقى بما لا يؤثر على سلامة البنيان الاقتصادى واستقراره.
كما عملت الدولة على إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق أكبر حماية ممكنة للفقراء والفئات الأولى بالرعاية وتحسين الأحوال المعيشية للمواطن البسيط.
وتبنت الدولة منظور مختلف للعدالة الاجتماعية يقوم على ضرورة توفير وتحسين الخدمات العامة الأساسية، خاصة مياه الشرب والصرف الصحى والإسكان والطرق والأمن العام ووسائل النقل العام وغيرها من الخدمات التى تمثل تمكينا حقيقيا للمواطن ينعكس على مستوى معيشته اليومية.