تلقى السفير المصرى فى الكونغو بولدفيل، محمد إبراهيم كامل (وزير الخارجية فيما بعد)، قرار رئيس الجمهورية «كازافوبو» برفع الحصار عن السفارتين المصرية والجزائرية، والسماح لأعضائهما بعبور نهر الكونغو إلى «برزافيل»، يوم 8 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1964 ، حسبما تذكر «الأهرام» يوم 9 أكتوبر 1964، وهو ما تمسكت به مصر والجزائر منذ بداية أزمة حصار السفارتين، والتى تفجرت على خلفية رفض مؤتمر عدم الانحياز الثانى فى القاهرة، مشاركة «تشومبى» رئيس وزراء الكونغو، وإبقائه فى قصر العروبة، ومنعه من مغادرة القاهرة إلا بعد فك الحصار»، «راجع، ذات يوم، 7 أكتوبر، 2021».
تلقت وزار الخارجية المصرية برقية من «كامل»، تؤكد أن عميد السلك الدبلوماسى الأجنبى، الكونت شارل دى كيرشوف، فى الكونغو زاره بصحبة «تافال» مدير العمليات المدنية للأمم المتحدة، وأبلغاه قرار «كازافوبو»، وتكشف «الأهرام» أن «السفير قال فى رسالته إنه سوف يخرج الآن، كانت الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر بتوقيت القاهرة، ليذهب إلى بيته فى حى «كالينا»، ويحزم حقائبه فى حراسة فصيلة من جنود نيجيريا العاملين فى الكونغو، ثم يعود إلى السفارة ليصحب أفرادها وأفراد سفارة الجزائر إلى مَرسَى ليوبولدفيل ليستقلوا معا قاربا كبيرا يعبر بهم النهر إلى برازفيل».
فى الساعة السادسة تلقت وزارة الخارجية رسالة ثانية من السفير يؤكد فيها، أنه عاد إلى السفارة وينتظر الأمر بالتحرك، وأنه سأل «تافال» عن موعد الرحيل فقال: «فى أى دقيقة من الآن»، ولذلك طالب «كامل» من أحد مساعديه أن يحرق جميع الأوراق المهمة فى السفارة بما فيها دفتر الشفرة، تذكر «الأهرام» أن الرئيس جمال عبدالناصر حين تلقى هذه البرقية طلب من عبدالمجيد فريد السكرتير العام لرئاسة الجمهورية الذهاب إلى قصر العروبة، ليقابل «تشومبى»، ويبلغه برفع القيد الذى كان موضوعا على تحركاته، وتحديد إقامته فى القاهرة داخل قصر العروبة، وأنه يستطيع أن يتصرف كما يشاء، تضيف «الأهرام» أنه بعد جلسة مؤتمر «عدم الانحياز» المسائية (8 أكتوبر 1964)، دعا الرئيس جمال عبدالناصر الرؤساء الأفارقة المشاركين فى اجتماع سريع، وأخطرهم بالتطورات الأخيرة، وبقراره.
تؤكد «الأهرام» أن عبدالمجيد فريد، اتصل بقصر العروبة، وأبلغ مدير مكتب «تشومبى» بأنه قادم برسالة مهمة فى الساعة السابعة، تضيف «الأهرام» أنه فى الوقت الذى كان «فريد» يدخل قصر العروبة، كانت وكالات الأنباء تحمل برقيات عاجلة من «ليوبولدفيل» تقول إن سفيرىّ مصر والجزائر ومعهما أعضاء سفارتيهما، يركبون الآن على قاربين بخاريين يعبران النهر إلى برازفيل، فى رحلة تستغرق 20 دقيقة، وكانت القوات النيجيرية تحرس المسافرين وعددهم 41 شخصا، رجالا وسيدات وأطفالا، بينهم 35 مصريا، وستة جزائريين، وكانت القوات النيجيرية بخوذاتها الزرقاء التى ترمز إلى الأمم المتحدة، تصد الذين تجمعوا حول المركب يريدون أن يشاهدوا هذا المنظر المثير، بينما كان وزير داخلية الكونغو «مونونجو» يراقب المشهد كله من بعيد.
تقدم «الأهرام» ثلاثة أسباب أدت إلى انتهاء الأزمة وهى، السبب الأول، أن جميع الرؤساء الأفارقة المشتركين فى مؤتمر عدم الانحياز، والذين اجتمعوا مرتين بسبب «تشومبى»، مرة ليرفضوا حضوره معهم المؤتمر، وثانية ليدرسوا تطورات المشكلة، اختاروا بوضوح وصراحة جانب الحق، وأقروا مصر على موقفها وبعثوا ببرقية إلى «كازافوبو» يحتجون على ما حدث لأفراد السفارتين المصرية والجزائرية، ويقولون إذا كان هذا الإجراء اتخذ مع البلدين بسبب رفض اشتراك «تشومبى» فى مؤتمر عدم الانحياز، فقد كان ذلك رأينا جميعا ولا نفهم حصار السفارتين وحدهما انتقاما، وكان «تشومبى» يأمل أن يحدث احتجازه أثرا فى الوفود الأفريقية، ولكن أمله لم يتحقق، وكما قال هو بنفسه «لقد اجتمعوا معا وكأنهم محكمة وأصدروا علىّ حكما كأننى أحد المجرمين».
السبب الثانى، أن «تشومبى» وجد الأمور فى القاهرة جادة، واستطاع بعد محاولات أن يتصل صباح أمس «8 أكتوبر» تليفونيا بـ«ليو بولدفيل»، ويقول لوزير داخليته: «معنى استمرار الحصار على السفارتين أن أبقى هنا فى القاهرة إلى الأبد، وأن السلطات فى مصر مصممة على موقفها لا تتزحزح عنه، وأنها استطاعت أن تحصل على تأييد جميع الرؤساء الأفريقيين»، وقال تشومبى لوزير داخليته: «إننى هنا سجين، وأنتم تتباطأون».
السبب الثالث، أن «كازافوبو» استدعى سفراء غربيين، وبينهم السفير الأمريكى والسفير البريطانى فى «ليوبولدفيل»، وسألهم عما تستطيع حكوماتهم أن تفعله، فردوا «إن أى تدخل من جانبهم سوف يزيد المشكلة تعقيدا ولا يساعد على حلها، وأن تلك تجربة دولهم مع الرئيس جمال عبدالناصر»، سألهم «كازافوبو» غاضبا: «هل نرضخ لشروطه؟ وهل سمعتم من قبل عن اعتقال رئيس وزراء بلد فى بلد آخر؟!»، رد السفراء: «هذه الحادثة فى علمهم هى أول سابقة من نوعها، ولكن الحل الوحيد هو رفع الحصار عن السفارتين، وقبول الشروط المصرية»، وهو ما حدث.