قبل 8 سنوات كانت العشوائيات تبدو أمرا واقعا يصعب تغييره، وفى القاهرة والجيزة، كانت العشوائيات أقرب لورم غير قابل للعلاج، مئات العشوائيات حزام يحيط بالقاهرة والجيزة والمحافظات، ويتم تصويرها فى البرامج، وتصدر بشأنها وعود وتصريحات من حكومات متتالية منذ الثمانينيات، وكانت مكانا لتصوير أفلام ومسلسلات، واستمرت وبدت واقعا لا يمكن تغييره، لدرجة أن البرامج الاجتماعية اعتادت أن تقدم فقرات سنوية من العشوائيات، وكان مرشحو الدوائر التى تقع فيها العشوائيات يقدمون وعودا للسكان، لم يكن منها إنهاء حياتهم فى العشوائيات لكن تقديم بعض الزيت والسكر.
ويوما ما كان وزير الإسكان والتعمير مرشحا ثم نائبا فى دائرة اشتهرت بعشوائياتها فى مفارقة لدرجة أنه افتتح مكتبا لخدمات الناخبين فى إحدى العشوائيات، تأكيدا لكونها مستمرة وموجودة، ولم يقدم المرشح النائب الوزير شيئا لسكان دائرته، باستثناء بعض الزيت والسكر والأرز مقابل الأصوات.
كانت الصحف تتابع أخبار العشوائيات بالكثير من مصمصة الشفاة، وإبداء الحزن على واقع يفرض نفسه، والعشوائيات لم تكن فقط تحزم القاهرة والمحافظات لكنها كانت فى قلب الأحياء العريقة، مثل تل العقارب فى السيدة زينب ومناطق متعددة فى قلب كل مدينة، ولهذا عندما كان الحديث يجرى عن إنهاء العشوائيات قبل 8 سنوات كان الأمر يبدو مستحيلا أن تختفى عشوائيات نشأت وقامت واتسعت فى عقود.
وعندما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، نيته وعزمه على إنهاء العشوائيات كانت أكثر التصورات تفاؤلا تعتقد أن الأمر سيكون كالسابق، لكن أسمرات 1 ثم أسمرات 2 وغيط العنب وأصبح تل العقارب «روضة السيدة» وتغير وجهها، ونفس الأمر فى باقى الأحياء التى تم بناؤها ونقل سكان العشوائيات إليها لم تكن مجرد مساكن إيواء كالسابق، لكنها كانت مجتمعات كاملة تم نقل السكان إليها وتضم مؤسسات تعليمية وصحية وملاعب، وتوالت عمليات إقامة الأحياء البديلة ونقل السكان إليها بنظام واضح يكشف عن إرادة حقيقية وليس عملا موسميا.
تكلفت عملية نقل سكان العشوائيات أموالا ضخمة، وقدمت إجابة عن مصارف الأموال، وكانت المليارات التى أنفقت بهدف إنهاء عار استمر على مدى عقود، فضلًا عن أنها تغيير فى حياة مئات الآلاف من البشر، وأطفال انتقلوا للعيش فى مجتمعات إنسانية بدلا من العشوائيات، سوف يكونون فى حال يمكنهم من الحياة فى مجتمع وليس فى بؤر عشوائية.
ونعرف ويعرف كل من تابع ملف العشوائيات فى الماضى، أن ما تم وما يجرى فى ملف العشوائيات يعتبر نقلة ومجتمعات تتيح تغييرا كبيرا فى حياة البشر، وقد تمت فى وقت سريع، وتكلفت عشرات المليارات، بشكل يشير إلى نوع من العدالة، وثمار العوائد الاقتصادية تذهب لمن يحتاجها، وبعد عقود كانت هذه العشوائيات نتاج لسياسات إسكانية مختلة، وتوزيع أراض للتسقيع.
واليوم يستمر مشهد نقل سكان العشوائيات مع خطط لمنع نشأة العشوائيات مرة أخرى، من خلال توفير إسكان اجتماعى وطرق للتمويل طويل المدى، وهى سياسات ضرورية لضمان عدم عودة العشوائيات، والتعامل بحلول جذرية وليس مسكنات. وقد تبنت الدولة سياسة جديدة، تتيح الإسكان الاجتماعى للشباب، وأعلن الرئيس عن الاتجاه إلى التوسع فى الإسكان المتوسط بشكل يتيح للأغلبية من المصريين الحصول على مسكن إنسانى، ويوجه الرئيس دائمًا وزارة المالية والبنوك بتخفيض فوائد القروض بالشكل الذى يسهل على المواطنين من الطبقة الوسطى، بل حلول تأجير طويل المدى، وذلك لتخفيف تأثيرات الشركات التى تتسابق فى الإسكان الفاخر، بينما أغلبية المواطنين من محدودى ومتوسطى الدخل.
وكلها سياسات تتطلب أن يستوعب المسؤولون، سياسات الرئيس، التى لا تتجه فقط لإزالة العشوائيات وإنهائها، لكن أيضًا لضمان عدم عودتها من خلال سياسات إسكان متوازنة، تتنقل من التجارة إلى الخدمة، وهو ما يؤكد عليه الرئيس دائمًا.