ـ المتحدث باسم الداخلية السعودية: "داعش" يبعث رسالة لعناصره.. لست فى حاجة للانتقال لسوريا أو العراق.. "ابق فى مكانك وجاهد فى بلدك"
ـ محلل أمنى : القنابل ذاتية الصنع والهجمات الفردية المسلحة أبرز وسائل "الذئاب المنفردة"
ـ صحف غربية : حادث "أورلاندو" تكشف خطورة وصعوبة ملاحقة المتعاطفون مع التنظيمات المتشددة
كشفت حادثة أورلاندو التى قتل فيها 50 شخصا، مدى صعوبة ملاحقة وخطورة "الذئاب المنفردة"، فبرغم أن عمر متين مرتكب الحادث كان معروفا لمكتب التحقيقات الفيدرالية FBI، الذى حقق معه مرتين بين عامى 2013 و2014، إلا أن ملفه تم إغلاقه لعدم وجود أدلة جوهرية تربطه بالإرهاب، الأمر الذى يعكس المشكلة المحيرة بالنسبة لمحققى مكافحة الإرهاب وبين المدافعين عن الخصوصية.
والذئاب المنفردة هم الأفراد الذين يقومون بأعمال عنف بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما.
واعتبرت صحيفة "الجارديان" أن حادث إطلاق النار سيفتح النقاش مرة أخرى حول اعتبار الأشخاص الذين يحقق معهم الـFBI، تهديدا، وما إذا كان يحق لهم الصعود على متن طائرة أو شراء سلاح، وما إذا كان ينبغى أن يبقوا تحت المراقبة المستمرة.
ويقول مسئولون أمريكيون، وعملاء سابقين فى الـFBI، وخبراء فى مكافحة الإرهاب إن المكتب يحتفظ ببيانات هامة عن الأشخاص الذين يحقق معهم، حتى بعد تحديد أنهم لا يمثلون تهديدا أمنيا، ويحرص حيال انتشار أى معلومات حول هؤلاء الأشخاص خارجه لأن ذلك يعد مخاطرة كبيرة بحقوق الخصوصية.
وحذر المسئولون الأمريكيون لأعوام من خطورة إرهابى "الذئاب المنفردة" غير المرتبطين بجماعات معروفة تخضع للمراقبة، لأنهم من الصعب للغاية أن يتم التعرف عليهم قبل قيامهم بأى هجوم، ولكن فى حالة "متين"، فكان معروفا لـFBI. ومع ذلك، يقول إيرول سازرس عميل استخباراتى سابق فى الـFBI، ومعنى بملف الإرهاب إن المسئولين فى المكتب "يلاحقون جميع الخيوط الممكنة وبمجرد عدم الوصول لنتيجة يغلق الملف"، ولهذا تم إغلاق ملف عمر متين
وقال محلل الشؤون الدفاعية "كون كوجلن" فى تحليل له سابق فى صحيفة "التليجراف" البريطانية إن التحدى الأكبر للأجهزة الأمنية فى الغرب سيكون محاولة منع "الذئاب المنفردة" المتشددة من ارتكاب أعمال إرهابية، على حد قوله.
وأشار الكاتب إلى قيام المواطن الكندى مايكل زحاف بيبو، الذى تحول إلى الإسلام، بقتل جندي وإطلاق النار داخل البرلمان فى العاصمة الكندية اوتاوا. ويقول إن التحقيقات لم تكشف حتى الآن عن دوافع القيام بهذا العمل.
ويعتقد الكاتب أن التحدى الأكبر الذى واجه المحققون كان معرفة ما إذا كان مرتكب الحادث قد قام بذلك بدافع شخصى أم أنه تلقى تعليمات بالقيام بذلك من جهة "إرهابية" فى العراق أو سوريا أو أى منطقة أخرى من المناطق التى سيطر عليها المتشددون فى العالم العربى.
ويعدد الكاتب الاشكال التى يمكن أن تقوم بها "الذئاب المنفردة" بعملياتها ويقول إنها يمكن أن تكون زرع قنابل ذاتية الصنع فى أماكن مختلفة، أو شن هجوم فردى بالسلاح كما فعل اليمينى المتطرف اندريه بريفيك فى النرويج عام 2011 وأدى إلى قتل العشرات احتجاجا على سياسة بلاده فى مسألة هجرة الأجانب إليها.
ويرى الكاتب أن منع مثل هذه الهجمات أمر شديد الصعوبة ما لم تكن لدى السلطات معلومات عن نية الشخص القيام بمثل هذا العمل. وتتزايد مخاوف الأوروبيين والأمريكيين من تشجيع المتطرفين الاسلاميين على القيام بمثل هذه الأعمال المنفردة بدلا من العمل بشكل جماعي لتنفيذ خطة ما، كما حدث فى مهاجمة برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك 11 سبتمبر عام 2001 أو هجوم 7 يوليو عام 2005 فى لندن.
واعتبر الكاتب أن مراقبة نشاط الأفراد أمر أكثر تعقيدا خاصة بعد الضغوط التى يتعرض لها السياسيون فى أوروبا والولايات المتحدة لكبح جماح أجهزة المخابرات فى التجسس على الأفراد بعد ما كشف عنه إدوارد سنودن.
ويشير خبراء غربيون إلى انه على الرغم من أن تنظيمى القاعدة وداعش، ليسوا حلفاء فى الوقت الحالى إلا أن أتباعهم يتفقوا فى إتباع إستراتيجية "الذئب المنفرد"، القائمة على شن هجمات فردية دون تنسيق أو توجيه من قيادات التنظيم.
وقد رفض تنظيم القاعد ما يصفه تنظيم داعش بالخلافة، وبقى مواليا لزعيم التنظيم أيمن الظواهرى، الذى خلف أسامه بن لادن بعد قتله على يد القوات الأمريكية فى باكستان عام 2011. وبغض النظر عن خلافاتهم، فإن كلا التنظيمين يثنيا على الهجمات الوحشية التى قتلت مئات الأبرياء.
ويشجع التنظيمان أتباعهم على شن هجمات منفردة ضد الغرب حيث تصبح العمليات أسهل كثيرا وصعب تتبعها لأنه عادة ما ينفذها مجندين غير معروفين لدى أجهزة الأمن.
وفى تصريحات سابقة لقائد شرطة نيويورك، فإنه تم إحباط أكثر من 20 هجوم فى الولاية منذ الهجمات الإرهابية فى 11 سبتمبر 2001. وتحدث بيل براتون، قائد شرطة مدينة نيويورك، فى جلسة استماع، سبتمبر الماضى، أمام لجنة الأمن الداخلى بمجلس النواب، محذرا من مخاطر متعددة من جبهة الإرهاب، وتحديدا ممن يعرفون بـ"الذئب المنفرد".
سان بيرناردينو
وعندما شن سيد رضا فاروق وزوجته تشفين مالك، هجوما على مركز إجتماعى فى سان بيرناردينو بولاية كاليفورنيا الأمريكية نوفمبر الماضى، مما أسفر عن مقتل 14 شخصا، فلم تعثر الشرطة على دلائل بأن الحادث تم تنسيقه مع قيادات إرهابية خارج الولايات المتحدة.
وإستخدم الزوجين أربع بندقيات من طراز سميث أند ويسون وdpms panther arms ومسدس سميث أند ويسون ومسدس LIama، وكان كل هذا بدافع شخصى حيث تم تحول الزوجين إلى الفكر المتطرف عبر الإنترنت.
القطيف
وطالت الهجمات التى وصفت بأنها هجوم "ذئب منفرد" دول عربية وغربية، حيث تم وصف تفجير مسجد القطيف فى المملكة العربية السعودية مايو 2015، بأنها عملية منفردة. فبحسب تصريحات للواء منصور التركى، المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية لمجلة فورين بوليسى، وقتها فإن "داعش يبعث لعناصره رسالة الآن، مفادها :أنت لا تحتاج للإنتقال إلى العراق أو سوريا. أبق فى مكانك وقم بالجهاد فى بلدك".
الهجوم الإنتحارى الذى إستهدف مسجد للشيعة فى القطيف بالسعودية، واودى بحياة 19 شخص وجرح العشرات، كان يشير إلى تأثير ذلك التحول فى إستراتيجية التنظيم الإرهابى.
وسافر ما يزيد عن 2500 مواطن سعودى للقتال فى سوريا أو العراق فى السنوات الأخيرة، وهو ما دفع وزارة الداخلية السعودية قبل أشهر، لإتخاذ نهجا جديدا فى مواجهة الأمر. وفى المقابل فإن تنظيم داعش أصبح أكثر تشديدا على صعيد تجنيد عناصر عبر مواقع الإنترنت، مع إبقاءهم فى الداخل للقيام بهجمات منفردة.
سيدنى
وفى سيدنى بأستراليا احتجز مسلح فى ديسمبر 2014، رهائن داخل مقهى فى حى شهير بالمدينة، وجاء الهجوم بعد أيام من دعوة تنظيم داعش بحمل السلاح وحث أتباعها عبر الإنترنت لإتباع هجمات فردية فى الغرب.
وبحسب رفايللو بانتوشى، خبير مكافحة الإرهاب لدى معهد الخدمات الملكية المتحدة: "لم نرى الكثير من الدلائل على إنتقال خلايا داعش خارج العراق وسوريا ولكننا رأينا عدد من الهجمات التى يشنها أشخاص يزعمون صلات بالتنظيم الجهادى الإرهابى".
كندا
وتفيد تقارير الصحافة الكندية إلى أن تهديد ما يسمى بهجوم "الذئب المنفرد" يمثل مصدر قلق كبير لوكالات الأمن الغربية بما فى ذلك كندا. ففى أكتوبر 2014 تسلل مسلح إلى داخل مبنى البرلمان الكندى وقام بإطلاق نار مكثف على النواب ، وقد تبين أن المسلح اعتنق الإسلام قبل الهجوم بأشهر قليلة.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، سعى عشرات الكنديين فى السنوات الأخيرة الماضية إلى الالتحاق بالجماعات الجهادية فى مناطق الصراع من الصومال وصولا إلى سوريا، وفقا لتقديرات رسمية. غير أن التهديدات وصلت إلى الداخل لأول مرة، فى أكتوبر 2014، عندما قام مسلم متشدد بدهس جندى فى كيبيك بسيارته، قبل أن يلقى الرجل حتفه على يد الشرطة.
ومن جانبه، أكد جيمس كومى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى الـFBI أن عمر متين، الذى قتل 50 شخصا فى أورلاندو، فى أسوأ حادثة إطلاق نار فى تاريخ الولايات المتحدة، أصبح متشددا عن طريق الانترنت وهذا ما رجحه كذلك الرئيس الأمريكى، باراك أوباما.
وقال أوباما للصحفيين فى البيت الأبيض بعد لقاءه مع المسئولين الأمنيين إن عمر متين، الذى ولد فى نيويورك "استوحى (التشدد) من المعلومات المتطرفة المتعددة المنشورة على الانترنت".
وأشارت صحيفة "الجارديان" البريطانية إلى أن تعليقات الرئيس أوباما تتفق مع ما قاله مدير الـFBI، الذى يقود التحقيقات فى الهجوم الإرهابى، بشأن وجود "مؤشرات قوية لتطرف القاتل، وإمكانية تأثره بمنظمات أجنبية إرهابية".
وأعرب كومى عن "ثقته الكبيرة" فى أن متين تعرض للتطرف على الأقل جزئيا عبر الانترنت، رغم أنه أكد عدم وجود دليل على خطة مباشرة لأى جماعة أو شبكة أجنبية. كما قال أوباما "لا يوجد دليل واضح على أنه تم توجيه من الخارج".
وأضافت الصحيفة أن هناك أدلة متزايدة على تشدد القاتل عبر الانترنت، ولكن عدم وجود علاقة مع منظمات إرهابية وكراهيته لمجتمع المثليين يزيد من خطورة الوضع، الذى يتأزم قبل الانتخابات الأمريكية.