فى الخامسة وثلاثة وخمسين دقيقة من صباح أمس الجمعة 22 أكتوبر، كانت مصر والعالم على موعد مع حدث فريد من معجزات المصريين القدماء، حيث عانقت الشمس وجه الملك رمسيس الثانى ووصلت إلى قدس الأقداس وجسدت معجزات الحضارة المصرية فى الهندسة والرياضيات والفلك، بجانب الدقة المتناهية فى نحت وبناء المعابد داخل الجبل لتستمر عبر آلاف السنين، حيث يعتبر معبدا رمسيس الثانى ونفرتارى إحدى معجزات البناء والحضارة ويعتبرهما العلماء العجيبة الثامنة ضمن عجائب الدنيا.
كنت وعدد من الزملاء رؤساء التحرير والمراسلين و50 سفيرا أجنبيا والآلاف من السائحين والزوار من داخل وخارج مصر، كنا محظوظين بحضور لحظة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثانى، ضمن الفعالية التى تنظمها وزارة السياحة والآثار، بالطبع فإن دعوة 50 سفيرا لحضور حدث بهذه العظمة هى خطوة مهمة من وزارة السياحة، هؤلاء السفراء من أمريكا اللاتينية وأوروبا وأفريقيا وآسيا، والزوار شاهدوا الحدث المعجزة، واطلعوا على الإجراءات الاحترازية والأمنية والتنظيمية التى اتخذتها وزارة السياحة ومحافظة أسوان ومدينة أبو سمبل، ضمن تنسيق ناجح، كل منهم سوف يبعث لبلاده بما شاهده وما يجرى، وهم من يحدد الموقف من السياحة، فى ظل ارتباك عالمى وإجراءات ضاغطة أوقفت السياحة إلا قليلا، هناك رغبة لدى دول كثيرة فى الخروج خاصة للدول التى ليس فيها إصابات عالية، ومنها مصر.
محافظ أسوان، اللواء أشرف عطية فى تصريحاته لزميلنا عبدالله صلاح، اعتبر أن تنظيم تعامد الشمس رسالة أمان واستقرار من مصر إلى دول العالم، فى ظل حضور كبير من السائحين الذين ينقلون الصورة إلى أصدقائهم وذويهم بالدول التى ينتمون إليها، ويرى الدكتور عبدالمنعم سعيد، مدير عام آثار أسوان والنوبة، أن الاحتفالية شهدها نحو 1500 سائح أجنبى من مختلف دول العالم بجانب عدد كبير من الزائرين المصريين، شاهدوا التنظيم والإجراءات الاحترازية والأمان، داخل المعبد والذى تم تزويده بـ64 كاميرا مراقبة لتأمين وتنظيم ورصد الحركة، وتقديم كل التسهيلات للضيوف.
لحظة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس مبهرة، خاصة أنها تستمر على مدى العصور دليلا على معجزات تخفى وراءها أسرارا مقدسة، تجذب عشرات الآلاف لتتبعها حيث تتسلل أشعة الشمس داخل المعبد، وصولا لقدس الأقداس على بعد60 مترا من المدخل، قدس الأقداس منصة تضم تمثال الملك رمسيس الثانى وبجواره تمثال الإله رع حور ، والإله آمون، والإله بتاح، والشمس لا تتعامد على وجه «بتاح»، الذى يعتبره القدماء إله الظلام.
ظاهرة التعامد تتكرر مرتين كل عام، 22 فبراير، و22 أكتوبر، حسب تصريحات أحمد مسعود، كبير مفتشى آثار أبو سمبل والمشرف على صندوق إنقاذ آثار النوبة، لزميلنا عبدالله صلاح، ويقول إن هناك روايتين لهذا التعامد الأولى أن المصريين القدماء صمموا المعبد بناء على حركة الفلك لتحديد بدء موسمى الزراعة والحصاد والرواية الثانية أن هذين اليومين يتزامنان مع يوم مولد الملك رمسيس الثانى ويوم تتويجه على العرش، والتعامد كان يحدث يومى 21 أكتوبر و21 فبراير قبل عام 1964، وبعد نقل معبد أبو سمبل تقدمت يوما واحدا، وتم اكتشاف التعامد عام 1874، ورصدته الكاتبة البريطانية «إميليا إدوارد» والفريق المرافق لها، وسجلتها فى كتابها ألف ميل فوق النيل».
ومعروف أن عملية نقل معبد رمسيس من الغرق بعد بناء السد العالى، أكبر عملة إنقاذ آثار فى التاريخ، كما يقول الدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار، تمت بعد نداء كتبه الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق واستجابت له منظمة اليونسكو، ليسجل العمل فى تاريخ المنظمة الدولية واستمرت عملية النقل 20 عاما،1960-1980، وزير السياحة أشار الى القصة العظيمة لحملة إنقاذ المعابد المصرية لبناء السد العالى، وتضمنت نقل أكثر من 20 معبدا ومقصورة بالتعاون مع منظمة اليونسكو.
وألقى وزير الآثار والسياحة محاضرة، والتقى مع رؤساء التحرير تناول أهم التطورات التى يشهدها القطاع السياحى والأثرى فى مصر، والخطوات التى اتخذتها مصر وفقا لمعايير منظمة الصحة العالمية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، للحفاظ على صحة المواطنين عموما والسائحين والعاملين بالقطاع، ويتم تطبيقها بكل دقة وجدية فى المنشآت الفندقية والسياحية والمتاحف والمواقع الأثرية والمطارات والأنشطة السياحية.
وتحدث الوزير عن أن السياحة المصرية تتفرد طوال العام بمقومات سياحية وأثرية لا مثيل لها، يستمتع السائح بأمان بشواطئ مصر الخلابة وجوها الرائع والمشمس والصحى، ويستمتع بالحضارة المصرية العريقة وآثارها الفريدة، وأنه مع استمرار جهود التوسع فى البنية الأساسية للسياحة، مثل شبكات الطرق والمحاور، يختصر زمن الرحلات، ويمكن للسائح الجمع بين السياحة الشاطئية والثقافية الأثرية، ومعالم القاهرة وأسوان والأقصر خلال رحلة تستغرق أياما قليلة، سياحيا تستحق مصر أن تحصل على أضعاف الأرقام التى تم الوصول إليها، بما تملكه من إمكانيات ومجتمع مفتوح وهو فى حد ذاته عنصر جذب كبير، لنشاط يوفر آلاف فرص العمل وعوائد مباشرة، للشركات والأفراد وعشرات الأنشطة المرتبطة بالسياحة.
ولهذا تمثل احتفالية تعامد الشمس خطوة تجاه ترويج وتسويق مصر بما تملكه من ثروة سياحية قابلة للنمو بناء على الإمكانيات.