فى المكان والزمان، فإن قرار الرئيس السيسى بإلغاء مد حالة الطوارئ، يمثل خطوة فى موعدها، وتأكيدا على أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى تم إقرارها تماشيا مع ما يجرى من تطورات فى الدولة، القرار كاشف عن كون الرئيس والدولة المصرية بعد مرحلة انتقالية صعبة، نجحا فى مواجهة تهديدات إرهابية أدت الى تفكيك دول، لكن مصر قدمت تجربة نجحت فيها فى الجمع بين مواجهة الإرهاب والسير نحو التنمية، وأن مواجهة الإرهاب تمت بتضحيات كبيرة من الشعب المصرى، لهذا حرص الرئيس على توجيه التحية للشعب المصرى «صانعه الحقيقى على مدار السنوات الماضية، وبفضل شهدائنا الأبطال الذين لولاهم ما كنا نصل إلى الأمن والاستقرار».
قرار إلغاء مد حالة الطوارئ يؤكد نجاح الدولة فى تحقيق حالة من الاستقرار تفتح الباب للمزيد من الخطوات، التى تتوازى مع تدعيم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، لتكون مصر قادرة على تقديم نموذج واضح فى موازنة التعامل مع التهديدات، وفى الوقت ذاته تقدم تصورا شاملا لحقوق الإنسان، بشكل يجمع بين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، مع الحقوق السياسية وحريات الرأى والتعبير، فى تجربة مصرية تستند الى إمكانات وقدرات الدولة، وظروفها، وسط إقليم مضطرب، ولا تزال الدول من حولنا تراوح مكانها بحثا عن مخرج من الاضطراب.
وقد كان الرئيس السيسى حريصا وهو يتحدث أمام تجمعات أوروبية أو إقليمية، على أن يشير إلى خصوصية كل دولة من ناحية السكان والبناء الاجتماعى والاقتصادى، كانت هناك الكثير من الأسئلة حول الخطوات التالية لإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتوقيت والآليات التى يمكن أن تتم، ومدى انعكاسها على المجال العام، وجاءت الإجابة بسرعة وحسم بقرار إلغاء مد حالة الطوارئ، كمقدمة لخطوات أخرى تكشف عن وجود تصور شامل متعدد الخطوات، يسهم فى فتح الباب لبناء سياسى واجتماعى ومدنى، يتوازى مع ما يجرى على الأرض من مشروعات كبرى، ومبادرة «حياة كريمة»، التى تعيد صياغة الريف، بالشكل الذى يمكنه من الحصول على حقوقه، من عوائد التنمية وتستقل ارادته السياسية بالشكل الذى يمكنه من استعمال حقوقه السياسية من دون تأثيرات.
داخليا فإن إلغاء مد حالة الطوارئ بقدر ما يؤكد تحقيق الاستقرار يدعم الثقة فى الشرطة وقدرتهم على مواجهة أى تهديدات داخلية أو أمنية، بعد هزيمة الإرهاب، وفى الوقت ذاته يغير من اتجاهات قانونية تجاه المتهمين فى قضايا أمن الدولة، مع وجود بنية تشريعية تم تطويرها، لتناسب التحولات فى الجريمة العابرة، ومنها الإرهاب والاتجار بالبشر وغسل الأموال.
خارجيا ودوليا، فإن القرار ينعكس لدى الجهات السياسية والاقتصادية، فى تأكيد للاستقرار، بما يفتح الباب للاستثمار، ويدعم التدفق السياحى، ويشير الى صحة وجهة نظر مصر فى التعامل مع القضايا بناء على معطيات الحالة الأمنية، وليس استجابة لوجهات نظر لا تستند الى الواقع المصرى، أو تقوم على رؤية مسيسة. وهو ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى، بأن الدولة تتحرك بناء على مصالح الشعب المصرى، وحاجاته وضرورات كل مرحلة بما يناسبها.، ومعروف أن الرئيس ومؤسسات الدولة الكبرى لا يتخذون قرارا إلا بعد دراسة واسعة، تراعى مصالح الدولة والشعب. لم يتخذوا قرارا إلا بعد دراسة كل التفاصيل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبما يعنى اتجاه الدولة لخطوات جديدة فى ملف شديد الأهمية والتشابك، لأنه لا يتعلق بقضية واحدة، ويتداخل مع الكثير من الخيوط، وهو ما بدا منذ تم طرح الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى تمثل أرضية لحوار واسع يدعم إدارة التنوع، ويربط الحقوق الاجتماعية والاقتصادية بالحقوق السياسية وحرية الرأى والتعبير.