حالة من التأهب يشهدها العالم إثر اندلاع الكثير من الكوارث التى خرجت من دائرة الأزمات التقليدية، يدور معظمها حول الصراعات المسلحة، سواء الدولية أو الأهلية، إلى صراعات أوسع نطاقا، تجلت فى أبهى صورها فى العامين الماضيين، إثر تفشى وباء كورونا، والذى ساهم بجلاء فى اهتزاز الثقة العالمية، في قدرات العديد من القوى الدولية، باعتبارها الكيانات القادرة على حماية النظام العالمى من المخاطر التي تهدده، في ظل حالة العجز التي لاحقت القوى الكبرى، سواء الولايات المتحدة أو دول أوروبا الغربية، في التعامل مع الأعداد الكبيرة فى الإصابات في الداخل، وبالتالي عدم القدرة على تقديم يد العون لشركائهم الدوليين، أو الدول الأدنى نموا وتطورا، لاحتواء الأزمات لديها، وهو الأمر الذى ساهم بصورة كبيرة في تصاعد الدور الذى يمكن أن تلعبه قوى جديدة، على غرار الصين، للمساهمة بصورة أكبر في احتواء مثل هذه الأزمات، وتقديم نفسها كقوى فاعلة في المجتمع الدولى.
ولعل أزمة كورونا، ليست الأولى من نوعها التي يشهدها العالم، في الإطار غير التقليدي للأزمات الدولية، في ظل تجاوزها للنطاق الزمنى أو الجغرافى المعهود، حيث سبقها في ذلك أزمة التغيرات المناخية، والتي تعد بمثابة الشغل الشاغل للعالم في المرحلة الراهنة، بسبب ما أسفرت عنه من كوارث كبيرة، تجلت في صورة عواصف وفيضانات، بينما تبقى التداعيات الأشد وطأة في الطريق، في حالة فشل المجتمع الدولى، في اتخاذ خطوات حاسمة من شأنها مجابهة الظاهرة الخطيرة، في ظل الانقسام الراهن حول الالتزام بتقليص الانبعاثات الكربونية، سواء بين الدول المتقدمة والنامية، وهو الانقسام الذى ظهر قبل أكثر من عقد من الزمان، من جانب، أو حالة التشرذم بين معسكر القوى الكبرى، في ظل مواقف متعارضة تجاه القضية، بدأت منذ الإدارة الأمريكية السابقة، برئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب، والذى قرر الانسحاب من اتفاقية باريس المناخية.
وهنا يصبح العالم أمام حالة "طوارئ" متعددة الأبعاد، في ظل صراع يتجلى بعده الأول في المخاوف الكبيرة إثر موجات جديدة من الوباء، ربما تثير تساؤلات حول مدى جدوى اللقاحات، مع التحورات المتواترة للفيروس، من جانب، بالإضافة إلى حالة الذعر المترتبة على تداعيات التغير المناخى، والتي تأتى في إطار تكشير الطبيعة عن أنيابها بعد عقود طويلة من سياسات الإهمال والاستنزاف التي مارستها دول العالم، لتحقيق التنمية دون النظر إلى مستقبل الأجيال القادمة جراء ما اقترفته البشرية استجابة لأطماعها المرحلية.
طوارئ كورونا.. عودة للإغلاق بعد شهور من التطورات الإيجابية
فلو نظرنا إلى أزمة الوباء، نجد أن ثمة مخاوف اندلعت من جديد، إثر الزيادة الكبيرة في أعداد الإصابات في روسيا، لتعود الحكومة إلى الإغلاق مجددا عبر إعلان إجازة رسمية في كل أنحاء البلاد، مع غلق المحال التجارية والمقاهى، فيما يمثل عودة إلى "المربع الأول"، وهو ما يمثل "جرس إنذار" للعديد من الدول الأخرى في مختلف مناطق العالم، سواء من حيث ضرورة توسيع دوائر التطعيم لديها من جانب، أو الاحتفاظ بقدر من الإجراءات الاحترازية، من جانب آخر، تجنبا للتداعيات الكبيرة التي قد تنجم عن أي إغلاقات جديدة في المستقبل، خاصة على الجانب الاقتصادى.
ويعد الوباء أكثر المتغيرات التي طرأت على المجتمع الدولى لتفرض أبعادا جديدة لمفهوم الطوارئ، حيث تبقى الحالة التي أعلنها العالم تفاديا لتفشى الفيروس، سواء من حيث الإغلاق او الالتزام بالإجراءات الاحترازية، دليلا دامغا على توجهات دولية جديدة، تختلف عن المفاهيم التي أرستها القوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، والتي اعتمدت الحرية والديمقراطية، حيث تبقى قواعد الطبيعة هي القوانين التي سوف تهيمن، وسوف يرضخ لها العالم في المرحلة المقبلة.
طوارئ مناخية.. العالم في حاجة لتنازلات صعبة
إلا أن الوباء، ربما ليس المتغير الوحيد الذى فرض ما يمكن تسميته بـ"حالة طوارئ" طبيعية، فهناك ظاهرة التغير المناخى، والتي تعد أقدم من الفيروس بعدة سنوات، حيث تكمن خطورتها في كونها شاهدا مهما على فشل المجتمع الدولى في توحيد المواقف، وحشد الجهود لمكافحته، عبر تقليص الانبعاثات الكربونية، لتواصل الدول جهودها لتحقيق أطماعها التنموية على حساب الأجيال القادمة، وهو الأمر الذى لم يقتصر في حقيقته على بدايات الأزمة، وإنما امتد حتى السنوات الأخيرة، عندما أقدم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على الانسحاب من اتفاقية باريس المناخية، في خطوة أثارت مزيدا من الانقسام الدولى.
مفهوم "الطوارئ المناخية" تم الإعلان عنه صراحة، من قبل الحكومة النيوزلندية، حيث أعلنت عنه رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن في ديسمبر 2020، إطار ضرورة اتخاذ العديد من الإجراءات، لاحتواء أزمة التغيرات المناخية، والتي باتت تؤرق قطاعا كبيرا من سكان العالم إثر تداعياتها الخطيرة، في إطار ما اعتبرته متجاوزا أكثر الحروب التاريخية احتداما، وهو ما يشكل أزمة حقيقية للأمن العالمى، وهو ما يبدو واضحا في الاهتمام الأممى بالقضية، سواء على المستوى الجمعى، متمثلا في الأمم المتحدة، أو على المستوى الفردى للدول.
الإعلان النيوزلندى ربما أصبح في حاجة إلى التعميم، ليكون إعلانا عالميا، ربما خلال مؤتمر الأمم المتحدة المقبل لمكافحة التغير المناخى، والمقرر انعقاده خلال الأيام المقبلة في مدينة جلاسكو، حيث تبقى دول العالم في حاجة ملحة إلى تقديم المزيد من التنازلات الصعبة، إذا ما أرادت حماية نفسها من خطر داهم.