لا يمكن غض الطرف عن الأزمة العالمية التي تعاني منها كافة الاقتصاديات الآن، والتي تسببت في ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع سواء الغذائية منها أو السلع الأخرى، إضافة إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار الطاقة خاصة في أوروبا، مع استمرار التوقعات بأن الأزمة ستصل إلى كافة الدول بما في ذلك الدول العربية، مع حدوث خلل في سلاسل التوريد والإمداد إضافة إلى الارتفاعات الكبيرة في تكاليف الشحن.
بداية الأزمة العالمية
كيف بدأت الأزمة إذن، وإلى أي مدى سيؤثر التضخم على الدول؟، البداية كانت مع الخلل الواضح في عمليات التوريد مع انتشار فيروس كورونا، حيث خفضت كافة المصانع والدول طاقاتها الإنتاجية في ظل تراجع كبير في الطلب على السلع والطاقة بكل أشكالها مع استمرار الإغلاق الاقتصادي جراء الجائحة، وهذا تسبب في تراجع النفط إلى مستويات هي الأدنى له خلال مايو 2020 في العقود الآجلة، ومع العودة إلى الأنشطة الاقتصادية بعد تمكن الدول من التوسع في أنشطة تلقيح ضد كورونا، بدأ الطلب يرتفع بقوة على السلع والطاقة وهنا بدأت تظهر الأزمة.
الأزمة العالمية الحالية التي ظهرت نتيجة الخلل في سلاسل التوريد والإمداد تسببت في ارتفاعات كبيرة سواء في الطاقة أو السلع الأخرى، فمثلا أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا سجلت ارتفاعات 500 % في حين ارتفعت سلع بنسبة 15 إلى 30 % في بعض الدول، وهنا تشير توقعات مراقبي الأسواق إلى استمرار الأزمة وارتفاع نسب التضخم لمستويات قياسية قد تصل بالعالم إلى ما يسمي الركود التضخمي وهو الخطر الأكبر الذي يهدد كافة الدول.
قلق متنامي من خطر التضخم
القلق المتنامي من خطر التضخم دفع متخصصون في "دويتشه بنك" من إطلاق تحذيرات من حدوث أزمة اقتصادية عالمية قريباً أو في عام 2023 بسبب الآثار السلبية المحتملة للتضخم، فالخطة التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بعدم تشديد سياسته النقدية ومواصلة السياسة التحفيزية وسط ارتفاع التضخم يمكن أن "تتسبب في ركود ضخم، وتطلق سلسلة من الضوائق المالية في أنحاء العالم، لا سيما الأسواق الناشئة"، لكن معظم العاملين في "وول ستريت" يؤيدون وجهة نظر الاحتياطي الفيدرالي بأن الضغوط التضخمية الحالية ليست دائمة، وهو ما يدفع البنوك المركزية على مستوى العالم إلى ترقب الأسعار استعداداً لقرارات خاصة بأسعار الفائدة.
وكشف تقرير حديث لوكالة "بلومبيرج"، أن الأسواق الناشئة التي شددت سياساتها النقدية لكبح التضخم ستجني ثمار ذلك من المستثمرين الأجانب، الذين يراقبون المخاطر المحتملة مستقبلاً مع نمو ضغوط الأسعار، فيما يحاول مسؤولو البنوك المركزية في الدول النامية إحداث توازن دقيق بين دعم اقتصاداتهم، التي لا يزال الكثير منها يواجه الجائحة، والسيطرة على التضخم، الذي قد يصبح تهديداً حقيقياً بفضل الانتعاش الاقتصادي القوي وحزم التحفيز المالي الضخمة في الاقتصادات المتقدمة.
وفق التقرير، فإن "المستثمرين سيفضلون تلك الدول التي تستبق فيها البنوك المركزية التضخم"، مشدداً على أهمية أن تتحرك البنوك المركزية بشكل استباقي حتى لا يعود التضخم إلى معدلات منتصف العام الماضي وتتعرض البنوك المركزية لضغوط الانكماش وتراجع الناتج المحلي الإجمالي، وفي الوقت نفسه تكون مطالبة بتوفير ما يلزم لإطلاق خطط تحفيز جديدة بمبالغ ضخمة.
التشابك الواضح بين الدول في الأزمة الحالية، يجعل البنوك المركزية تجرى حسابات معقدة لاتخاذ قرارات مناسبة بشأن مستقبل أسعار الفائدة، لإيجاد أفضل السبل للخروج من الأزمة الحالية، وفي نفس السياق الأسواق تتعرض لضرر واضح جراء النقص في الخامات اللازمة لعمليات الإنتاج، وهذا يعني مزيد من الارتفاعات في الأسعار العالمية الفترة المقبلة وصعود مستمر لمؤشر التضحم.