لماذا يجب على الفقراء أن يدفعوا ثمن أفعال الأغنياء؟ هذا هو حال الدول الفقيرة والنامية فيما يتعلق بأزمة المناخ ، فهى تعانى بشدة جراء التغيرات المناخية الناجمة عن الانبعاثات الكربونية للدول الغنية، والتى بدورها رفعت درجة حرارة الأرض، وما ترتب على ذلك من تغير الظواهر الطبيعية بشكل يكاد يعصف بالكوكب كله.
فى قمة المناخ المنعقدة حاليا بمدينة جلاسجو الاسكتلندية بالمملكة المتحدة ، بمشاركة 190 دولة منها مصر، عاودت الدول النامية المطالبة بحقوقها المشروعة من الدول الغنية، والتى لم تلتزم لاتفاق باريس، خاصة ما يتعلق بتوفير 100 مليار دولار سنويا، يتم تخصيصها للدول الفقيرة والنامية، التى وجدت نفسها فى مهب الريح جراء التغير المناخى، سواء حدوث فيضانات أو جفاف ، أو ارتفاع مستوى سطح البحر وغير ذلك من الأثار المدمرة للتغير المناخى.
مطالب الدول الفقيرة، وأغلبها فى قارتى أسيا وأفريقيا، تتمثل فى مساعدتها على اتخاذ تدابير بيئية تتمثل فى التوجه نحو الاقتصاد الأخضر ، والابتعاد بشكل كبير عن الفحم والوقود الأحفورى، وكل ما ينجم عنه انبعاثات كربونية او ملوثات المياه والتربة .
ولا شك أن مطالب تلك الدول تحتاج لمليارات الدولارات، حتى يتسنى لها تنفيذها، فعلي سبيل المثال التحول للطاقة النظيفة، سواء طاقة الشمس أو الرياح، يتطلب استثمارات ضخمة لا تقدر عليها إلا الدول المتقدمة، التى لابد لها أن تلتزم بدفع فاتورة ما أفسدته جراء الانبعاثات الصادرة من مصانعها وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وكندا وألمانيا.
تلك الدول ودول أخرى مسئولة بشكل أساسى عن الجزء الأكبر من الانبعاثات الكربونية، سواء من المصانع، الملوثة للأنهار، أو من محطات توليد الطاقة بالفحم، وغيرها من مصادر التلوث، التى تكاد تعصف بالدول الفقيرة والمتقدمة على حد سواء.
ولعل ما تعرضت له الدول الفقيرة من تصحر وجفاف أو فيضانات مدمرة، يحتم على قمة المناخ كوب26 المنعقدة فى جلاسجو أن تنتفض للدول النامية، للحصول على حقها من الدول الغنية، لأنه حق وليس مجرد دعم أو مساعدة أو مجرد منح فقط.
مطالب الدول الفقيرة ما تزال حلما ربما لن يتحقق قريبا، فالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش نفسه شكك خلال قمة المناخ فى امكانية التحرك السريع الفعال لمواجهة التغيرات المناخية ، ودعم الدول النامية والحفاظ على درجة حرارة الأرض دون زيادة.
وبحسب البنك الدولى، مازال 760 مليون شخص -يعيش كثير منهم فى أفقر بلدان العالم ومسؤولون عن أقل من عشر الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة- محرومين من الطاقة.
وهذه البلدان فى حاجة إلى النمو والتنمية بخطى أسرع وعلى نحو منخفض الانبعاثات الكربونية وبطريقة تكفل الصمود فى وجه الصدمات. وهى أيضا فى حاجة إلى القيام باستثمارات كبيرة فى أنشطة التكيف وإدارة المخاطر لأنها فى الغالب أكثر البلدان تأثرا بالظواهر المناخية العاتية والكوارث الطبيعية.
ولا شك أن التأخر فى تمويل خطة المناخ سيزيد الضغوط على الفقراء، لأن تغير المناخ قد يؤدى إلى سقوط ما يربو على 130 مليون شخص فى هوة الفقر بحلول عام 2030 وإلى هجرة أكثر من 200 مليون شخص بحلول عام 2050، ولذلك، من الضرورى الاستثمار فى أنشطة التكيف مع تغير المناخ لمساعدة البلدان والشركات على أن تصبح أقدر على الصمود ومجابهة الصدمات.
إن قمة المناخ مطالبة بالتعاطى السريع مع مطالب الدول النامية وتمويلها خاصة فى قارتى إفريقيا وأسيا، حتى يمكنها النمو والصمود وتحمل تبعات تغيرات الظواهر الطبيعية فى الكوكب والتى نجمت عن الدول المتقدمة.