رغم مرور أربعة أيام فقط على وقع جريمة الإسماعيلية البشعة، والتى أقدم خلالها شاب على نحر مواطن من رقبته وقطعها بسلاح ابيض "سنجة"، فى وضوح النهار بأحد شوارع الإسماعيلية وسط تجمعات المواطنين، إلا أن النيابة العامة بذلت جهدا كبيرا فى كشف غموض دوافع المتهم فى قتل المجنى عليه بهذه الطريقة الوحشية، وأدارت التحقيقات بمهارة عالية للوصول لكافة الدلائل، وصولا لقرار المستشار حماده الصاوي النائب العام، اليوم بإحالة المتهم للمحاكمة الجنائية العاجلة لمعاقبته عما اقترفت يداه لتثبت بأنها صاحبة الدعوى العمومية والأمنية على المجتمع.
البداية كانت يوم الإثنين الماضى عندما تلقت النيابة العامة بلاغا بقيام المتهم بقتل المجنى عليه، ذبحا بسلاح أبيض أمام المارة بالطريق العام بالإسماعيلية، إذ نحر رقبته وفصلها عن جسده، وبالتزامن مع ذلك رصدت وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام انتشارًا واسعًا لمقاطع مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لوقائع تلك الجريمة المفجعة خلال ارتكابها، وبعرض الأمر على النائب العام أمر بالتحقيق العاجل في الواقعة.
على الفور انتقلت النيابة العامة لمسرح الحادث وعاينته وتحفظت على المقاطع المصورة للواقعة من آلات المراقبة المثبتة بالحوانيت المطلة عليه، وناظرت جثمان المجني عليه وتبينت ما به من إصابات.
وسألت النيابة العامة المجني عليهما المصابين و5 شهود آخرين فتوصلت من حاصل شهادتهم إلى اعتياد المتهم تعاطي المواد المخدرة، والتقائه يوم الواقعة بالمجني عليه، حيث دار بينهما حوار لدقائق انتهى بارتكاب المتهم جريمته.
وأفصح المتهم للمارة خلال اعتدائه على المجني عليه عن وجود خلافات سابقة بينهما ليتراجعوا عن ايقاف الجريمة، ثم تعدى على اثنين من المارة أحدهما على سابق علاقة به، فأحدث بهما بعض الإصابات وحاول الفرار من إلا أن الأهالي طاردته حتى تمكنت من ضبطه وتسليمه للشرطة.
وباستجواب المتهم فيما نسب إليه من قتل المجني عليه عمدًا مع سبق الإصرار والترصد واقتران تلك الجناية بجنايتي الشروع في قتل المصابين الآخرين، أقر بارتكابه الواقعة وتعاطيه مواد مخدرة مختلفة صباح يوم حدوثها وحدد أنواعها.
ويوم الأربعاء أمرت النيابة العامة بحبسه احتياطيا أربعة أيام على ذمة التحقيقات، وقررت اتخاذ الإجراءات اللازمة بيانا لمدى صحة وسلامة حالته النفسية والعقلية لما تردد بخصوص هذا الشأن على خلاف ما ظهر من اتزان المتهم خلال التحقيقات وإعادة تمثيله ومحاكاته كيفية ارتكابه الواقعة.
وثبت من تقرير إدارة الطب النفسي الشرعي الصادر عن المجلس الإقليمي للصحة النفسية خلوّ المتهم من أي أعراض دالة على اضطرابه نفسيًّا أو عقليًّا مما قد تفقده أو تنقصه الإدراك والاختيار وسلامة الإرادة والتمييز ومعرفة الخطأ والصواب، وذلك سواء في الوقت الحاليّ أو في وقت الواقعة محل الاتهام، مما يجعله مسئولًا عن الاتهامات المنسوبة إليه.
ووجهت النيابة العامة المتهم تهم قتل آخر ذبحًا عمدًا بالإسماعيلية والشروع في قتل اثنين آخرين، وكذا تعاطيه موادَّ مخدِّرة، وإحرازه أسلحة بيضاء -دون مُسوِّغ قانوني- في أحد أماكن التجمعات بقصد الإخلال بالنظام العام.
واقامت النيابة العامة الدليل قِبَلَ المتهم من شهادة المجني عليهما المصابيْن وعشرة شهود آخرين وما أسفر عنه اطلاعُها على مقاطع تصوير الجريمة، وتعرفها على المتهم بها، فضلًا عن إقرار المتهم تفصيلًا بارتكابه الجرائم المنسوبة إليه، وما ثبت بتقرير مصلحة الطب الشرعي بجواز حدوث الواقعة وفْقَ التصوير الوارد في التحقيقات واحتواء نتيجة التحليل الخاصة بالمتهم على مُخدِّر سبق أن أقرَّ بتعاطيه وحدَّد نوعه في التحقيقات، فضلًا عن نوع آخر.
وبسبب اللغط الذى تسببته هذه الواقعة بعد انتشار فيديوهات توثق الجريمة على مواقع السوشيال ميديا والخوض فى حرمات خاصة اهابت النيابة العامة بالكافة إلى عدم تداول مقاطع تصوير ارتكاب الجريمة لما تحمله من مشاهد قاسية، ولاختصاص جهات إنفاذ القانون وحدَها دونَ غيرها بمشاهدتها وفحصها باعتبارها من أدلة الدعوى التي ليست محلًّا للتداول أو النشر، فمَن حاز مثل تلك المقاطع في هذه الجريمة أو غيرها يتعين عليه تقديمها للجهات المعنية دونَ نشرها أو تداولها بين الناس، وذلك حفاظًا على حُسن سير التحقيقات، ومشاعر ذوي المجني عليهم وكافة المواطنين.
كما تهيب بالكافة إلى عدم التطرق إلى تفصيلات ما أقرَّ به المتهم في التحقيقات أو ما يُثار حول سلامة صحته النفسية، أو محاولة تصور دوافع ارتكابه الجريمة، أو الخوض في ملابسات الواقعة بشكل عامّ؛ إذ إنها علاوة على كونها غير صحيحة وتضع ناشريها تحت المسئولية القانونية، فإنها أيضًا تنال من حرمة الحياة الخاصَّة وتضرُّ بسلامة التحقيقات وما ستؤول إليه، موقنةً بثقة المجتمع المصري في النيابة العامة وحرصها على ردّ المظالم، وإيتاء الحقوق، وإظهار الحقائق، والذود عن المجتمع الذي تمثله.
فكما تعلم النيابة العامة حجم الفاجعة التي حاقت بالمجني عليهم وذويهم، تعلم ما ضاقت به صدور المواطنين من مشاهد تلك الجريمة البشعة التي لا يُبرر ارتكابها أو غيرها من الجرائم أيُّ دافعٍ مهما كان، ولن تتوانى النيابة العامة فيما تتخذه من إجراءات لتحقيق العدالة الناجزة التي تطمئن بها القلوب.