القضاء العرفى وحكم كبار العائلات والقبائل.. كيف يرى المشرع الجلسات من "الدية" لـ"الكفن"؟.. خبراء: ليس لها سند فى القانون.. وآخرين: تتفق مع فكرة التحكيم بالقانون 27 لسنة 94.. وخبراء يجيبون عن الأسئلة ا

فى كثير من الأحيان تطالعنا الصحف ووسائل الاعلام المختلفة من وقت لأخر، بخبر مفاده وعنوانه يكاد أن يكون شبه ثابت وهو "إنهاء خصومة ثأرية بين عائلتين فى محافظة......"، جملة عابرة ومكررة تمر مرور الكرام على القراء، وربما تكون كل معلومات القارئ حول هذا الموضوع تتلخص فى قيام أسرة القاتل بتقديم "الكفن" لأهل القتيل لإنهاء الخلافات الثأرية ووقف نزيف وبحور الدم، من خلال جلسة صلح "عرفية" يحضرها شيوخ وكبار القبائل فى المنطقة، وفى ظل حضور أمنى مكثف حتى يكون الحضور شاهد على إنهاء الخصومة الثأرية وإتمام عملية الصلح، لكن ما لا يعرفه الكثير أن عملية تقديم الكفن ليست بالأمر الهين وتستغرق شهور وربما سنوات قبل اتخاذ القرار النهائى بشأنها. تلك الجلسات العرفية عبارة عن هيئة محكمة مكتملة الأركان من قاض، ومستشارون، ودفاع، وشهود، وحاضرون، وحكم يصدر آخر الجلسة مثل حد السيف على رقاب الجميع، دون أن يكون لهم حق الاعتراض، لأن لدى العربى الأصيل "الكلمة شرف"، وفى الحقيقة المحكمة هنا لا تختلف عن المحاكم العادية فى شيء، فالأمر لا يتطلب أن يضع القاضى وشاحاَ على صدره كما هو متعارف عليه فى المحاكم العادية ولا يرتدى دفاع المتهم "روبًا" أسود، كما أن المتهم نفسه لا يدخل إلى قفص الاتهام مهما كانت جريمته. "القضاء العرفي" وحكم "كبار العائلات والقبائل" وفى الحقيقة - رغم أن تاريخ القضاء العرفى فى مصر قديم جدا، فإنه يصعب الاتفاق على تحديد تاريخ لدخوله مصر، وهناك آراء ترجح أنه قادم من الجزيرة العربية بصحبة الفاتحين العرب الذين دخلوا مصر واستوطنوها من قرون عديدة، وربما يفسر ذلك سر استمرار القضاء العرفى فى البيئات البدوية والقبلية والصعيد والدلتا حتى الآن، لوأد الخلافات الثأرية التى تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل ومنع تفاقمها بين العائلات. وفى هذا الإطار – يقول الخبير القانونى ومستشار التحكيم الدولى وفض المنازعات عبد الرحمن عبد البارى الشريف، أن المجالس العرفية لها دور قوى فى إرساء ثقافة التصالح والتسامح، وهى تمثل نوعا من أنواع المصالحة الإجبارية التى تسبق التحكيم الاختيارى، فضلا عن دورها فى تسيير إجراءات التقاضى وتحقيق العدالة الناجزة، حيث أن القانون المصرى يعترف بالتحكيم العرفى إذا تم بإجراءات صحيحة، ولكن فى حدود ضيقة ووفقا للقانون المصرى مادة رقم 27 لسنة 1994، فهناك اعتراف به وبالتحكيم الدولى وفق ضوابط وآليات معينة ونحن نطلب من المشرع توسيع دائرة التحكيم العرفى حفاظا على الروابط الاجتماعية والأسرية. خبراء: تتفق مع فكرة التحكيم فى المواد المدنية والتجارية فى القانون 27 لسنة 94 وبحسب "الشريف" فى تصريح لـ"انفراد" – ومسألة حل المنازعات من خلال المجالس العرفية هى وسيلة مجتمعية فاعلة فى إرساء ثقافة التصالح والتسوية الودية داخل المجتمع، خاصة مع تباطؤ دورة صدور الأحكام فضلًا عن زيادة مصاريف التقاضى تدفع بعض المواطنين إلى طرق أبواب المجالس العرفية لفض صراعات قبلية أو غيرها قد تستغرق سنوات طويلة تنتظر التنفيذ فى المحاكم، وهو الامر الذى تم الأخذ به بعد ذلك فى المنازعات الأسرية حيث تم تطبيقه من خلال "مكاتب تسوية المنازعات" حتى أصبح الوضع قانونياَ، فلماذا لا يتم الأخذ به فى باقى الهيئات القضائية المختلفة، حيث أن ثقافة المجلس العرفى قائمة على تعزيز وإرساء ثقافة التسامح والتصالح عن طريق الإقناع والحكمة، خاصة فى القرى والنجوع، ويجب أن تنتشر تلك الثقافة أكثر ويعمق دورها، على أن يكون التحكيم فيها لشيوخ وعلماء وقساوسة أجلاء، يمتلكون المعرفة والعلم والحكمة والبينة، حتى يستطيعون عن طريق الحكمة والإقناع، إنهاء النزاعات بمختلف أنواعها، ولابد من الابتعاد عن أهل الجهل ومن يستغلون مثل هذه الأمور فى الدعاية الانتخابية ليجلسون على منصة القضاء العرفى. ووفقا لـ"الشريف": المجتمع خاصة فى الريف والصعيد مازال يتمتع بفكرة القبلية والعائلة والنسب والانتماء المكانى الأمر الذى عزز فكرة القضاء العرفى والحاجة إليه فى المجتمعات الريفية، وذلك وسط مفهوم راسخ فى ذهن الناس بطول أمد التقاضى وتكلفته المالية العالية، وأن القضاء العرفى يملك سلطة إلزامية على أطراف التقاضى، حيث يتم إشراك أعيان المناطق فى التحكيم المشهود عنهم الحياد والعدل، كما أن القانون أشار إلى أن الأحكام التى تصدرها الجلسات العرفية تحوز الصيغة التنفيذية ولا يجوز الطعن عليها إلا لبطلان الحكم أو الإجراءات، حيث أن القضاء العرفى أحيانا قد يؤثر على القضاء الجنائى فى حالة إذا انتهى بالتصالح لذلك يتم الحصول على الضمانات الكافية على أطراف القضاء العرفى لضمان تنفيذ ما انتهت إليه الجلسات العرفية من أحكام ولابد أن يتمتع القضاة العرفيون بسمعة طيبة فى هذا المجال. عبدالرحمن عبد البارى الشريفمستشار التحكيم الدولي وفض المنازعات الجلسات العرفية تصلح فى بعض القضايا وليس جميعها وأضاف مستشار التحكيم الدولى وفض المنازعات - أن مجرد اللجوء للجلسات العرفية يعنى قبول أحكامها، وقد نظم القانون المصرى فكرة التحكيم فى المواد المدنية والتجارية فى القانون 27 لسنة 94، حيث يتم إبرام اتفاق تحكيم بين أطراف النزاع يتضمن القواعد التى سيتم تطبيقها وإجراءاتها وكيفية اختيار المحكم الممثل لكل طرف ويتم إثبات ذلك كتابة، ولا يجوز الطعن على حكم التحكيم إلا لبطلان الحكم أو إجراءاته، كما أن الجلسات العرفية تصلح فى بعض القضايا مثل الجنح والقتل الخطأ والنصب وخيانة الأمانة والضرب والإصابة الخطأ وتكون ملزمة للمحكمة، ولكنها لا تصلح فى بعض القضايا مثل القتل العمدى والاغتصاب وهتك العرض والحريق العمدى، كما أن محكمة الجنايات لا تلتزم بأى جلسات عرفية وليس لها قيمة أمامها، لأن قضاياها تنفذ ضد المجتمع، كما أن الجلسات العرفية أحيانا تكون سببا فى تخفيض العقوبة على المتهمين وهذه مرحلة تقديرية لهيئة المحكمة، وأن هذه الجلسات ليست بديلة عن القضاء الطبيعى، ولكن تصلح لبعض القضايا، وهناك قضايا لا تصلح معها أى جلسات عرفية ولابد من تطبيق القانون عليها بكل قوة ليكون رادعا للجميع لعدم تكراره مرة أخرى، وأن القضاء العرفى ليس له حق فى الفصل فى القضايا الجنائية التى ينتج عنها سقوط أرواح ودماء وهذا من اختصاص القضاء الجنائى الذى يضمن حق المجتمع فى جزاء رادع لكل من تسول له نفسه إرهاب المواطنين واستباحة دمائهم. من ناحية أخرى – وقال الحاج حسن طنطاوى – أحد المحكمين فى المجالس العرفية بمنطقة شرق القاهرة وتحديداَ عين شمس – وأحد الذين ورثوا مسألة فض المنازعات أباَ عن جد، أن تكوين المجلس يبدأ بذهاب مجموعة من "أهل الخير" إلى طرفى المشكلة لنزع فتيل الصراع مؤقتًا، من خلال التوقيع على شرط "العمار والمعاودة" ثم الاتفاق على اختيار المحكمين وراعى البيت، حيث أن "المعاودة" تكون مشروطة بمبلغ مالى ضخم حتى لا يتعرض طرف لآخر خلال فترة محددة تتراوح بين أسبوع إلى شهر، ثم يوقع عليها ممثل لكل من طرفى النزاع. وقال "طنطاوى" فى تصريحات خاصة - من المعروف مُنذ عشرات السنين فى تكوين الجلسات العرفية أنه قبل بدء الجلسة العرفية يطرح المحكمون على طرفى النزاع أن يعتذر الطرفان لبعضهما ويتصالحان دون الدخول فى تفاصيل، وفى حالة رفضهما يتم تحرير محضر الجلسة العرفية، الذى يُثبت فيه التاريخ والحضور وما آل إليه النزاع بين الطرفين من أضرار وخسائر مادية أو فى الأرواح، لتبدأ بعدها مرحلة سرد الحجج وتسجيل أهمها فى محضر الجلسة، ثم يدخل المحكمون والمُرجح إلى "المخلاوية" وهى عبارة عن غرفة المداولة لهيئة التحكيم، لسماع الشهود كُل على حدة، وبعيدًا عن طرفى النزاع، لتكون شهادتهم سرًا، وبناءً على شهادة الشهود وسرد الحُجج يبدأ المحكمون فى النقاش معًا لمدة قد تصل إلى ٥ ساعات حتى يخرج حكمًا عادلًا يُرضى جميع الأطراف. قاضى عرفى: للقضاء العرفى 4 تخصصات وأضاف "طنطاوى" - أن للقضاء العرفى 4 تخصصات كما هو متعارف عليه: ما بين قضايا "العِرض والعار " الذى تحكم فى أمور النساء، أو "منقع الدم" الذى يفصل فى الخلافات التى أدت إلى وقوع ضحايا، وقضايا "الأرض والمال"، فيما يكون التخصص الرابع من القضاء العرفى متمثلًا فى قضايا "الجروح والإصابات "، وفى الحقيقة "القضاء العرفي" هو الوسيلة السريعة والناجزة لحل الخلافات بين المتنازعين، ويتكون عادة من عدة لجان للمصالحات تتشكل من المتمتعين بشعبية كبيرة بين الأهالى أو كبار رجال العائلات، وتتلخص مهامهم ليس فقط فى فرض أحكام بعينها وإنما تصفية التشاحن بين النفوس وإنهاء الخصومة لتبدأ علاقة جديدة بين المتنازعين محكومة بشروط جزائية تُفرض على أى طرف من الطرفين حال مخالفته ما انتهت إليه لجان التحكيم. حسن طنطاوى - قاضى عرفى وأشار "طنطاوى" إلى أن أهم قواعد المجالس العرفية أن يرتضى طرفى النزاع اختيار أعضاء المجلس العرفى لضمان أن تكون القرارات ملزمة للطرفين، على أن تكون الشخصيات المختارة للحكم من الشخصيات الممارسة له ويتمتعون بالاحترام والهيبة فى المجتمع، وبالنسبة لتحديد الأحكام فإنه يكون حسب نوع الجريمة، فالقتل تكون عقوبته "الدية"، أما الجروح فتتراوح بين الغائر أو جرح الوجه والجرح الداخلى وعدد الغرز وكل جرح له سعر، وفى حالة تبادل الجروح يتم عمل مقصاة ومن له حق يحصل عليه، والدية فى القتل الخطأ مقدارها مليون جنيه، وفى حالة عجز الجانى عن الدفع تلزم عائلته بدفعها، تجنبًا أن ينال الأذى باقى الأسرة، وخاصة فى قضايا الثأر، كما تعتبر هذا المجالس خير معين للقضاء، فهناك قضايا تنظر لسنوات بين أروقة المحاكم، بينما المجلس العرفى ينهيها فى جلسة واحدة، وهناك مصطلح "الجودة " فى الصعيد والذى يعنى حمل الكفن وبعض العائلات تطالب به فهو من قبيل العرف وهو ف الحقيقة يعتبر" بدعة"، ومن الأحكام العرفية المتداولة كذلك التغريب وذلك درأ للضغائن التى قد تحدث فى النفوس من جديد. رئيس محكمة سابق: ليس للقضاء العرفى "سند قانونى" وفى سياق أخر – يقول الخبير القانونى والقاضى السابق أحمد عبد الرحمن الصادق – أن جلسات الصلح العرفية التى ينظمها محكمون من كبار العائلات وشيوخ القبائل لحل الصراعات فى الصعيد والمناطق البدوية لا سند لها فى القانون، ولا يعتد بها من منظور القضاء حتى لو تنازل الطرفان عن حقهما أمام القاضى بسند كتابى، لأن القانون المصرى لا يعترف مثلًا بمفهوم دفع "الدية" فى جرائم القتل لأهل القتيل ويشترط تنفيذ العقوبة على المتهمين، وأن يأخذ القانون مجراه على الجميع، كما أن للدولة الحق أن تتسامح فى اللجوء إلى محكمين عرفيين إذا كانت القضية مدنية أو تجارية، أما إذا كنت القضية جنائية وراح ضحيتها العديد من القتلى كما حدث فى أسوان مؤخرًا حيث سقط 29 قتيلًا وعشرات المصابين من الطرفين، ففى هذه الحالة لا يملك القضاء أن يتسامح فى ذلك مطلقًا. ويؤكد "الصادق" فى تصريحات خاصة – أنه كما ذكرنا من قبل أن جلسات الصلح العرفية لا يُعتدّ بها قانونًا، ولجوء بعض العائلات أو القبائل لها كبديل عن القانون لا يعتبر شيئًا إيجابيًا ولا يمنع القضاء من نظر أى دعوى جنائية والفصل فيها بالعدل ووفق أحكام القانون، خاصة أن هناك مسئولية كبيرة على الدولة لإنهاء النزاع وتقديم كل المتهمين للعدالة أيًا كان عددهم، فقانون العقوبات جعل الإعدام عقوبة لكل من ارتكب جريمة القتل العمد، وبالتالى لا بد من إعدام كل من تورط فى الجرائم البشعة وإلا ضاعت هيبة الدولة. مساعد وزير الداخلية الأسبق: الوزارة تعتمد لجان المصالحة وليس الجلسات العرفية اللواء أمجد الشافعى، مساعد وزير الداخلية السابق، أكد أنه ليس هناك ما يسمى بـ"الجلسات العرفية"، وإنما هناك "لجان مصالحة" يتم تشكيلها بمعرفة وزارة الداخلية لمحاولة الصلح بين المتخاصمين فى المسائل التى قد يترتب على حدوثها الإخلال بالأمن العام، و فى دور لجان المصالحة فى الحد من نزيف الدماء بين المتخاصمين حيث أن الدولة تستعين بعلماء الدين وشيوخ القبائل للتدخل بين المتخاصمين فى حالات الثأر لإتمام التصالح والقضاء على أسباب الخصومة وعدم التوسع فيها بين الأطراف، وأنه لا يعترض على وجود الجلسات العرفية حتى لو لم تكن مقننة من الناحية القانونية وغير منصوص عليها فى القانون، ولكنها فى الوقت نفسه لا علاقة لها بالقضاء وهى ليست بديلا عن التقاضى بين المتخاصمين. اللواء امجد الشافعى - مساعد وزير الداخلية الأسبق وأوضح "الشافعى" فى تصريح خاص، أن القضاء سلطة من سلطات الدولة الثلاث، ولا يمكن الاستعاضة عن أى منها، ولابد من التوسع فى لجان المصالحات بشرط أن تكون تحت إشراف الدولة خاصة فى القضايا البسيطة لتخفيف العبء عن القضاء وتحقيق العدالة الناجزة، كما أن الجلسات العرفية وأحكامها لها أصل فى فلسفة القانون وهى السعى إلى التصالح بين المتنازعين وإقامة علاقات ودية بين الأطراف المتنازعة، كما أن التصالح هو تنازل مشترك بين الأطراف عن حقهم فى القضية، ولابد أن نعترف أن هناك مجتمعات قبلية تحكمها العادات والتقاليد وتسرى عليها الأعراف وتتحكم فى معاملاتها العائلات، مما يعكس قوة العرف وسيادة ثقافة القانون الاجتماعى فى الصعيد وبعض قرى الريف، لذلك فإن الجلسات العرفية تتشكل من كبار العائلات أصحاب السلطة المأخوذة من العرف والتقاليد والثقافة الاجتماعية التقليدية المتوارثة وبالتالى تكون أحكامها ملزمة وسارية على جميع الأطراف ويمكن نقضها حتى فى حالة اللجوء إلى القانون.






















الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;