ويجيز..
نعم اسمه هكذا، اختار "أحمد" ابن الإسكندرية هذا الاسم الذي لم يكلف نفسه عناء شرحه أو تفسيره وكأنه يردد "سيبها في المبهم موضحش..لو مش فاهم مبشرحش".
هكذا يغني، وهكذا يفعل، وكثيرا ما يتعمد ألا يوضح مخارج ألفاظه وكأنه يقول لمن يستمع إليه، لابد من أن تتعب لكي تفهم، وفي الحقيقة فإن أكثر ما يميز هذا اللون الغنائي الجديد على آذان المستمتع المصري هو أن صناعه يفعلون ما يريدون، لا يلتزمون بقاموس موضوعات محددة كما في الغناء الكلاسيكي، ولا مصطلحات محددة، ولا كلمات متعارف عليها، ولا قالب موسيقي معتمد، هم يعرفون ماذا يريدون، أو بالأصح يعرفون ما لا يريدون، فلا احترامك يلزمهم، ولا تطريب آذانك يخصهم، ولا دغدغة مشاعرك تخصصهم، ولا أزماتك العمومية تشغل بالهم.
أسماء كثيرة وغريبة عن ثقافتنا التقليدية، "ويجز، أبي يوسف، بابلو، عفروتو" والقائمة تطول وتسعت كل يوم، فقد اجتذب هذا اللون الغنائي الجديد نسبيا على مجتمعنا قطاعات عريضة من الشباب، حتى إن ويجز نفسه سخر بشكل ما ممن لا يعرفونه قائلا :"مبتسمعش ويجز معندكش نت؟" وكأنه الاستماع إليه أصبح فرضا على كل من يتصلون الأنترنت، وأن من لا يستمع إليه خارج العصر.
استمع شباب "التراب" بجلوسهم في الظل كثيرا، فلم يتناولوا إلا قضاياهم ومشكلاتهم، ولم يتحدثوا إلا عن أزماتهم، وفي الغالب نادرا ما تجد موضوعا قديما كموضوعات الحب والوطن مثلا، لكن انحصرت اهتماماتهم في حالة الصراع مع خصومهم أو مع أقرانهم أو مع منافسيهم، وانقلب الأمر إلى حالة من حالات خناقات الشوارع التي لم يكذبوا فيها ولم يتجملوا، ولم يحدثونا مثلا عن أزماتهم العاطفية ولا شعورهم الوطني، وغلبت على موضوعاتهم الاستعراض والخناقات والتغزل في الذات وسب المجتمع والعالم، حتى تجاوب معهم قطاع عريض من الشباب سرعان ما تحول الأمر إلى ما يشبه الموضة أو الظاهرة.
التوزيعات الموسيقية المبتكرة أيضا أسهمت في جذب الشباب إليهم، بالإضافة إلى تنويع طبقات الصوت واللعب الإليكتروني والصوت المعدني والإيقاعات غير المألوفة، وفي الحقيقة فإن ويجز على وجه التحديد يقدم في كل أغنية صيغة خاصة تزيد من شغف متابعيه، فمرة يستعين بالموروث الثقافي وموسيقى الموالد، ومرة يتعمد على الرتم الواحد دون تغيير، ومرة يدهشنا الألحان المتداخلة الهارموني المتقن، وإذا أضفنا ما يتميز به من شاعرية خاصة وخيال رحب فسنكتشف مقدار الموهبة التي يتمتع بها ابن الإسكندرية المدهش، وسيتكشف لنا السر أمام جماهيريته العريضة، التي لم تعد قاصرة على الشباب فحسب وإنما تتعدى هذا إلى النخب الثقافية والإعلانات التجارية موسيقى الأفلام أيضا.
الآن وقد غادر أهل أغاني "التراب" جنة الهامش فيجب عليهم أن يبتعدوا عن الموضوعات القاتمة التي يتناولونها كما يجب عليهم أن يبذلوا مزيدا من الجهد في تطوير أدواتهم وموسيقاهم لكي لا يسقطوا في فخ التكرار فبرغم أن هذا اللون الغنائي اجتذب الكثيرين لكن الحفاظ على هذه القاعدة الجماهيرية وزيادتها أصبح تحديا كبيرا أمامهم، كما يجب عليهم أن يتخلصوا من حالة الفوضى الأخلاقية التي استمتعوا بها قديما، وأن يوفقوا أوضاعهم القانونية مع نقابة المهن الموسيقية لكن لا يتحول فيها اللون الجديد إلى معركة جديدة لا تثمر ولا تفيد