كان الوقت صباح 9 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1976، حين شهد سجن الاستئناف تنفيذ حكم الإعدام فى الإرهابيين، صالح سرية، وكارم الأناضولى، المتهمين فى قضية الفنية العسكرية التى وقعت أحداثها الإرهابية يوم 18 إبريل 1974، وكان «سرية» هو قائد التنظيم الذى نفذها واشتهر باسمها.
ذكرت الأهرام فى عددها 10 نوفمبر 1976 خبر تنفيذ حكم الإعدام، الذى حضره عمر مصطفى رئيس نيابة جنوب القاهرة، وجميل سعيد وكيل أول النيابة، واللواء إبراهيم محمود، مساعد مدير أمن القاهرة، والعميد أمين حلمى، والعقيد عبدالحميد منصور مدير المباحث بالنيابة ، والمقدم عادل لبيب إبراهيم، وأضافت: «كانت محكمة أمن الدولة العليا أصدرت حكمها بإعدام صالح سرية، وكارم الأناضولى، وطلال الأنصارى، الذين تزعموا مؤامرة الكلية الفنية العسكرية، والتى ضمت 94 متهما، وصدق الرئيس أنور السادات على حكم الإعدام بالنسبة للمتهمين الأول والثانى فى 12 أكتوبر الماضى 1976، بينما خفف الحكم بالنسبة للثالث «طلال الأنصارى» إلى الأشغال الشاقة المؤبدة».
كان «سرية» هو مدبر هذه الجريمة وخطط لها كانقلاب عسكرى يستولى بعدها على السلطة بالقبض على الرئيس السادات أثناء اجتماعه مع قيادات الدولة فى اجتماع للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، وتذكر «الأهرام» يوم 20 نوفمبر 1974، أن التحقيقات الأولية لنيابة أمن الدولة العليا توصلت إلى أن مجموعة تضم نحو عشرين شخصا، قاموا فى نحو الساعة الواحدة صباح الخميس 18 إبريل 1974 بمهاجمة حراس الباب الخلفى لمبنى الكلية، وتمكنوا بواسطة استعمال السلاح من اقتحامه والدخول إلى المبنى، فتصدى لهم أفراد الحراسة وبعض طلبة الكلية، وحدث اشتباك أسفر عن مصرع 11 شخصا من بينهم 6 من جنود الحراسة، وأحد الطلاب بها، وطالب من كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية و3 أشخاص مدنيين، كما أصيب 27 شخصا من الطرفين بينهم أحد ضباط الكلية.
كان «سرية» أردنى الجنسية من أصل فلسطينى، هاجر مع أسرته إلى العراق، وأكمل دراسته الثانوية هناك، وانضم خلالها إلى جماعة الإخوان فى العراق، واتهم بمحاولة اغتيال أحمد حسن البكر الرئيس العراقى، وجاء إلى مصر عام 1971 وحصل على درجة الدكتوراه فى التربية من جامعة عين شمس عام 1972، وعمل بمنظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية، وفقا لكتاب «هاتف الخلافة» الذى يقدم شهادة الدكتور «أحمد الرجال» أحد أعضاء هذا التنظيم، تحرير وتقديم الدكتور كمال حبيب.
ظلت علاقة هذا التنظيم بجماعة الإخوان لغزا، غير أن هناك شهادات تكشفت بعد سنوات من جريمة «الفنية العسكرية» فكت هذا اللغز، فوفقا لشهادات جاءت فى كتاب «هاتف الخلافة» فإن صالح سرية حال وصوله إلى القاهرة عام 1971 توجه إلى منزل زينب الغزالى الذى تعرف عليها من قبل عن طريق طليقها الشيخ «حافظ التيجانى»، ونزل ضيفا عليها هو وأسرته المكونة من زوجته وتسعة من الأبناء، ولعبت دورا أساسيا فى تقديمه إلى المرشد العام للجماعة المستشار حسن الهضيبى، وعرفته بمجموعة من الشباب ومنهم طلال الأنصارى وكارم الأناضولى وإسماعيل طنطاوى ويحيى هاشم.
يذكر «حبيب» نقلا عن مذكرات «طلال الأنصارى»، «صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة من النكسة إلى المشنقة»، أن أول لقاء بين «الأنصارى» و«سرية» كان فى منزل زينب الغزالى برعاية الهضيبى، مع التأكيد على أعضاء التنظيم إنكار العلاقة بينهما فى حالة انكشاف أمرهم، وكانت أول تعليمات صالح سرية للشباب أنه هو وحده حلقة الوصل بالإخوان، وأنه اعتبارا من هذا التاريخ لا بد أن يتوارى أى دور ظاهر للإخوان، كما ينبغى عدم الإعلان عن أى صلة بهم، وعرض «سرية» أفكاره على قيادات الإخوان وعلى رأسهم المرشد، مع خطته لإدخال تجديد على فكر الإخوان ليكون الوصول للسلطة بالقوة العسكرية خيارا أساسيا، وأن المرشد وافق على مضمون الفكرة.
وفى شهادة «ياسر مسعد»، عضو التنظيم الذى حصل على البراءة فى هذه القضية، لكن حكم عليه بالسجن 15 سنة فى عملية أخرى.. قال: «نحن كجنود لجماعة الإخوان ليس لنا أن نفكر أكثر من أننا نسمع ونطيع، فصالح سرية جاءنا بهذه الفكرة، فهو كان مبعوث الإخوان لنا، وكنا نتعامل معه على أنه «إخوان»، وكان يهمنا فى هذه المسألة مرشد الإخوان آنذاك حسن الهضيبى، لذلك كنا نرى أن الهضيبى وافق على منهج صالح سرية.. تنظيم الفنية العسكرية تنظيم إخوانى بحت، واستأذن من المرشد، ونحن مجموعة بدأنا وكنا ننتمى لتنظيم الإخوان فكريا وأدبيا، وكنا أعضاء تابعين للمرشد العام للجماعة، وهذا يكفينا حسب فهمنا.. الإخوان لم يعترفوا بأى دور قط فى عملية الفنية العسكرية، وأنكروا دورهم لأنه يضر بمصالحهم السياسية».