على مدى سنوات أعادت الدولة المصرية بناء علاقاتها الإقليمية والدولية، انطلاقا من رؤية تعلى من التعاون والحوار والدفع نحو الحلول السياسية لقضايا المنطقة، وقبل 8 سنوات فقط كان الواقع الإقليمى مشتعلا، ومعقدا، يصعب التكهن بمستقبله، خاصة فى سوريا وليبيا، وبالطبع اليمن والعراق، وحتى مصر كانت تواجه تحديا وجوديا ممثلا فى إرهاب نجح فى تفكيك دول وأعطب أنظمتها السياسية، الدولة واجهت الإرهاب والأزمات الداخلية، وحرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على تأكيد موقف مصر المنفتح على كل الأطراف ولم يكتف بدوائر مصر التقليدية العربية والإسلامية والأفريقية، لكنه توسع فى الدائرة المتوسطية وأعاد بناءها بما يتناسب مع تحولات القوى والنفوذ.
تحرص مصر على مد جسور التعاون والشراكة فى كل الاتجاهات وتشارك فى كل التجمعات وتتفاعل مع التجمعات الاقتصادية والسياسية، وتحمل رؤية واقتراحات للخلافات البينية، وتحرص على تأكيد وجهة نظرها، وفتح ممرات ومسارات للحوار والشراكة، وإنهاء الصراعات سلما، وهى رؤية نجحت فى بناء ثقة إقليمية ودولية فى مصر، باعتبارها مركز تأثير قادرا على التوسط وطرح تصورات للحل.
قبل 7 سنوات كان الوضع فى ليبيا معقدا تصعب لملمته، بينما تنظيم داعش يعلن عن خلافته فى سوريا والعراق، ويستعرض قواه فى ليبيا، مصر وهى تواجه الإرهاب حرصت على تقوية قوتها للردع، بينما تتحرك لتبدأ عملية تقريب وجهات النظر بين الفرقاء فى ليبيا، وتؤكد رفضها للتدخلات الخارجية، وضرورة رحيل المرتزقة، الذين تم نقلهم من سوريا والعراق إلى ليبيا.
ومع خطوط مصر الحمراء فى ليبيا كان التمهيد لبناء حوارات ومسارات سياسية بين الأطراف الليبية، لعبت مصر دور الوسيط بنزاهة، على العكس من محاولات سابقة فشلت فى بناء استقرار، لم تتدخل مصر فى ليبيا، بل إن الرئيس السيسى، كان يحرص دائما على أن رؤية الدولة المصرية تدعم الدولة الوطنية وتقوى المؤسسات وحوار الليبيين وبعضهم، المسار السياسى بدأ، وواجه كعادة المسارات السياسية مشكلات لكنه يتجه نحو انتخابات خلال شهور، فى حال نجاحها تكون ليبيا قطعت شوطا نحو الاستقرار منذ إسقاط نظام القذافى بواسطة حلف الناتو والقوى المسلحة الخارجية والداخلية دون أفق سياسى.
كانت رؤية مصر للمسار السياسى تبدو صعبة فى ظل تعقيدات وتدخلات وتقاطعات دولية وإقليمية، ومع الوقت بدأت الدول الأوروبية تدرك خطورة ترك الأمور عرضة للتدخلات والمرتزقة، وبدأت خطابات الدول الأوروبية تتغير وتستعمل المصطلحات المصرية تجاه ضرورة إخراج المرتزقة والقوى الخارجية والإرهابية حتى يمكن بناء مسار سياسى ينتهى بانتخابات وبناء مؤسسى.
ومن هنا تأتى أهمية مؤتمر دعم الاستقرار فى ليبيا، الذى تستضيفه العاصمة الفرنسية باريس، اليوم الخميس 12 نوفمبر، على مستوى رؤساء الدول أو الحكومات، برئاسة مشتركة مع إيطاليا وألمانيا وتشارك فيه الولايات المتحدة، والمشاركون فى مسيرة برلين وكل دول الجوار الليبى، وتشارك فيه مصر، حاملة رؤيتها المحددة، ويتوقع أن تكون هناك تحركات لتفعيل المواقف الأوروبية والدولية، وهو ما بدا فى تصريحات جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسى، بعد زيارته لليبيا، ولقاء رئيس المجلس الرئاسى محمد منفى، ورئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة، مؤكدا دعوة فرنسا القادة الليبيين إلى استكمال العملية السياسية الجارية، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الليبية فى 24 من ديسمبر وفق خارطة الطريق التى حددها الليبيون وصادق عليها مجلس الأمن.
لودريان أكد تمسك فرنسا باستقرار ليبيا وأمن جيرانها، الأمر الذى يتطلب وضع حد للتدخل الأجنبى، ودعم اللجنة العسكرية المشتركة الليبية التى تبنت برعاية الأمم المتحدة خطة عملية خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضى الليبية، وجدد الوزير عزم فرنسا على مواصلة العمل ضد الإرهاب وتهريب المهاجرين وتفكيك الميليشيات.
ويتوقع أن تنطلق الدول الكبرى فى اتجاه إخراج المرتزقة وتفكيك الميليشيات، وهو مطلب كان يبدو بعيدا قبل سنوات، لكنه اليوم ممكن وتشارك مصر فى هذا المؤتمر لدعم ليبيا، وكانت قضية ليبيا حاضرة فى الحوار الاستراتيجى بين مصر والولايات المتحدة، حيث شدد الطرفان على أهمية إجراء الانتخابات فى موعدها، ودعم خطة إخراج كل القوات الأجنبية والمقاتلين والمرتزقة، وفى حال نجحت هذه الخطوة يمكن البناء عليها تجاه استقرار أكثر، يضمن لليبيين إدارة حياتهم وثرواتهم، وهى الرؤية التى تمسكت بها مصر على مدى سنوات.