ساعدت السياسات الاقتصادية الإصلاحية والهيكيلة التي اتخذتها الدولة المصرية خلال الأعوام الأخيرة، في أن تكون حائط صد أمام التداعيات السلبية لجائحة كورونا، خاصة مع تنبي استراتيجيات وخطط ومبادرات داعمة لقطاعات الدولة المختلفة، وهو الأمر الذي ساهم في عودة الحياة إلى طبيعتها وتحقيق معدلات نمو إيجابية بشهادة المؤسسات الدولية.
وتسببت أزمة جائحة كورونا، فى إعادة ترتيب مختلف الدول لخارطة أولوياتها، وذلك نتيجة ما سببه من تداعيات وأعباء جديدة على الموازنة العامة، وهو ما جعل الوضع استثائى ومضطرب بمختلف الدول ومنها ما تمكن من الصمود والاستمرار ومنها ما انهار اقتصاده وواجهته إشكاليات كبرى، وتمكنت مصر من إحداث توازنات من الصعب تحقيقها حيث ساعد تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى على امتصاص الصدمات، وتم الاتجاه لزيادة الاستثمارات فى الوقت الذى اتجهت دول كثيرة إلى خفضها، وكذا زيادة الرواتب فى وقت أحدثت فيها دول متقدمة انكماشا.
آليات تعامل الدولة مع جائحة كورونا
وكانت مصر من أولى الدول التى سبقت فى ترتيب أولوياتها بالتزامن مع جائحة فيروس كورونا، واستطاعت أن تحقق هى والصين وحدهم فقط معدلات نمو إيجابية رغم كورونا، وعملت على توزيع الاستثمارات على القطاعات ذات الأولوية وهم التعليم والصحة والتحول الرقمى، بالإضافة إلى المبادرة التنموية غير المسبوقة التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى وهى مبادرة "حياة كريمة".
وبحسب تصريحات مسبقة للدكتور محمد معيط، وزير المالية، أمام مجلس النواب، فإن مؤسسات التصنيف الدولية أكدت أن ما فعلته مصر فى مجال الإصلاح الاقتصادى هو إنجاز كبير جدا، فى ظل أوضاع عالمية مضطربة، يُحسب للقيادة السياسية والشعب المصرى، مؤكدا أن دول العالم تشهد لمصر أنها فعلت ما لم تتمكن كثير من دول العالم النجاح فيه، قائلا "هناك دول أوروبية كبرى كان السوبر ماركت فاضى فيها فى بداية أزمة كورونا، ومصر نجحت فى تلبية احتياجات المواطنين فى كافة القطاعات، وتأمين السلع الأساسية وحافظت على استقرار أسعار العملة".
وبرهنت تقارير دولية على نجاح الدولة المصرية في الموازنة بين صحة المواطنين والأداء الاقتصادي مما يحث الدولة على استمرار تلك الجهود المثمرة من أجل النهوض بالنشاط الاقتصادي والإنتاجي بالتوازي مع الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الوباء من جهة والتوسع في عمليات التطعيم باللقاحات المتاحة.
دلالات نجاح السياسات الاقتصادية الأخيرة وعوامل النجاح
ونجحت الدولة فى كسب ثقة عدد كبير من المؤسسات الدولية، حظيت مصر فيها على شهادة بثبات الاقتصاد المصرى واستقراره، وهو ما يرجع لتحسن مسار السياسات المتخذة والعمل ضمن برنامج متكامل يحقق التوازن بين المتطلبات الاقتصادية ومراعاة حقوق البسطاء ومحدودي الدخل ، وبحسب ما نشره المركز الإعلامى لمجلس الوزراء، في تقريراً، فإنه يواصل الجنيه المصرى تحقيق مكاسب كمردود لاستمرار تحسن أداء الاقتصاد، وذلك بعد مرور أكثر من 4 سنوات على تحرير سعر الصرف، كما أنه يعد أفضل عملات الأسواق الناشئة أداءً أمام الدولار خلال الفترة من 30/6/2017 حتى 28/7/2021 بنسبة تحسن بلغت 13.1%.
إضافة إلى زيادة تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 83.6%، حيث سجلت 31.4 مليار دولار في 2020/2021مقارنة بـ 17.1 مليار دولار في 2015/2016، وأيضاً زادت الإيرادات السياحية بنسبة 28,9% لتسجل 4,9 مليار دولار في 2020/2021 مقارنة بـ 3,8 مليار دولار في 2015/2016، كما أن سياسة تحرير سعر الصرف تؤتي ثمارها متمثلة ، لافتاً إلى زيادة صافي الاحتياطيات الدولية بنسبة 108.2%، حيث سجلت 40.8 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2021 .
وأضاف التقرير أن إيرادات قناة السويس زادت بنسبة 13.7%، حيث سجلت 5.8 مليار دولار في 2020/2021 مقارنة بـ 5.1 مليار دولار في 2015/2016، وكذلك زادت قيمة الصادرات المصرية بنسبة 59.3%، لتسجل 34.4 مليار دولار في 2020/2021 بعدما سجلت 21.6 مليار دولار في 2015/2016.
شهادة المؤسسات الدولية فى نجاح السياسيات المصرية
ورصد التقرير شهادة ثقة من المؤسسات الدولية، لافتاً إلى توقعات صندوق النقد الدولي للإيرادات السياحية وذلك بـ 8 مليار دولار عام 2021/2022، وزيادتها بشكل مستمر حتى 2025، وأكد الصندوق على أن تحرير سعر الصرف أدى إلى القضاء على أزمة نقص العملات الأجنبية وساهم في إعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي إلى أعلى مستوياتها، الأمر الذي ساعد على دخول مصر أزمة كورونا بمخزون وقائي كاف.
كما ذكر الصندوق أن السياسات المالية والنقدية التي تم اتباعها تستمر في دعم تعافي الاقتصاد المصري، مشيراً إلى أن تعميق وتوسيع تلك الإصلاحات الهيكلية أمر ضروري لمواجهة تحديات ما بعد جائحة كورونا وإطلاق العنان لإمكانات مصر الاقتصادية.
وتوقع البنك الدولي بأن يسجل الاستثمار الأجنبي المباشر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 1.7% عام 2021/2022، و1.9% عام 2022/2023، كما توقع تحسن عائدات قناة السويس مع عودة التجارة العالمية، وانتعاش السياحة وزيادة صادرات الغاز المصري، جنباً إلى جنب مع زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوافدة إلى قطاع الصناعات الاستخراجية، وتوقعت الإيكونوميست أن يظل سعر الصرف مستقراً بصورة كبيرة خلال عام 2022.
بينما أكد بنك بي إن بي باربيا أن مستويات السيولة بالعملات الأجنبية استقرت نتيجة زيادة تحويلات المصريين بالخارج وانخفاض قيمة الواردات، وشددت "فيتش" على أن الاستمرار في تنفيذ مجموعة الإصلاحات الاقتصادية يدفع إلى زيادة معدلات الاستثمار والتجارة بمصر، كما سيستمر المستثمرون الأجانب في إيجاد الفرص الكبيرة بالسوق المصري، مبدية ثقتها في قدرة مصر على خفض الديون خلال عام 2021/2022.
بينما مؤسسة موديز فأكدت أن تحرير سعر الصرف، قد ساهم في تعزيز فعالية السياسات الاقتصادية، كما أن احتواء الديون بالسنوات الأخيرة مع انخفاض الفوائد عليها سيخفف من تعرض الجنيه للتقلبات الحادة، ووضعت ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني للسندات الحكومية بالعملة المحلية في مايو 2021 بعد تحرير سعر الصرف عند مستوى B بنظرة مستقبلية مستقرة، ، قائلة " النظرة المستقرة للجنيه تعكس توقعاتنا بتراجع الديون عام 2021/2022"
ومن بين المؤسسات الدولية أيضا التي أكدت على نجاح الجنيه المصري كان معهد التمويل الدولي الذى أكد أن مرونة سعر الصرف، ساعدت على استيعاب آثار الصدمات الخارجية، وتحسين قدرته التنافسية، ومجموعة أكسفورد للأعمال بقولها "تعويم الجنيه ساعد على تعزيز القدرة التنافسية التصديرية للمنتجات المصنعة محلياً، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية".
وساعد ثقة مؤسسات التصنيف الائتماني في قوة الاقتصاد المصري واستقرار العملة، وهو ما عزز انضمام مصر لمؤشر جي بي مورجان، حيث وضعت فيتش التصنيف الائتماني للسندات الحكومية بالعملة المحلية المصرية في أكتوبر 2021 بعد تحرير سعر الصرف عند مستوى + B بنظرة مستقبلية مستقرة، وذلك مقارنة بمستوى B بنطرة مستقبلية مستقرة في يوليو 2016 قبل تحرير سعر الصرف، ورصد التقرير أداء عملات الأسواق الناشئة أمام الدولار خلال الفترة 30/6/2017 حتى 1/11/2021، موضحاً أن الجنيه المصري تصدر عملات الأسواق الناشئة أداءاً أمام الدولار، وذلك بنسبة تحسن بلغت 13.3%.