تحتضن العاصمة الفرنسية باريس اليوم الجمعة مؤتمرا دوليا للسلام حول ليبيا، وهو المؤتمر الثالث الذى تحتضنه فرنسا حول الأزمة الليبية خلال السنوات الماضية، لكن ما يميز هذا المؤتمر أنه يحقق مبدأ الشراكة والمصلحة بين القوى الأوروبية التى كانت منقسمة لفترة، حيث تم التأكيد على رئاسة فرنسا وألمانيا وإيطاليا لهذا المؤتمر المهم.
يأتى عقد مؤتمر باريس للسلام حول ليبيا فى ظل توقيت مهم للغاية لأبناء الشعب الليبى مع قرب إجراء الانتخابات الرئاسية فى 24 ديسمبر المقبل والجولة الثانية منها فى يناير، بالتزامن مع إجراء الانتخابات البرلمانية عقب تسجيل أكثر من 2.8 مليون ناخب ليبى فى المفوضية العليا للانتخابات فى ليبيا.
من أهم الشواغل التى يحتاج أبناء الشعب الليبى لحسمها فى مؤتمر باريس هو التأكيد على موعد إجراء الانتخابات الليبية فى موعدها، ملاحقة المعرقلين للعملية الانتخابية بسلاح العقوبات الدولية، ووضع إطار زمنى محدد لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب تفعيلا لمخرجات مؤتمرى برلين 1 و2 وقراري مجلس الأمن 2570 و2571 بالخصوص، ويبقى الملف الأهم وهو حل التشكيلات المسلحة وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية وهو ما يحتاج لمبادرة عاجلة تطرح بالخصوص ويتم العمل على تفعيلها خلال الفترة المقبلة.
تنتظر لجنة "5+5" المنبثقة عن مخرجات مؤتمر برلين دعما دوليا وإقليميا، وهو ما يجب أن يتحقق فى مؤتمر باريس بدعم مخرجات اللجنة والأهم من دعمها هو وضع جدول وإطار زمنى لتفعيل هذه المخرجات، والضغط على الأطراف المتورطة فى الصراع الداخلى الليبى للقبول بما تقرره اللجنة العسكرية الليبية المشتركة.
ومن المهم أن يركز المؤتمر بشكل كبير على الملف الاقتصادى فى ليبيا، والذى يعد أساس الصراع، ويجب الضغط لتوحيد مصرف ليبيا المركزى فى طرابلس والاستمرار فى المراجعات المالية، وحسم ملف الأموال الليبية المجمدة فى الخارج وتحديد الموعد الذى سيتم رفع التجميد عن هذه الأموال عقب انتخاب رئيس وبرلمان جديد فى ليبيا، وسيكون الجسم التشريعى معنى بالتأكيد بوضع دستور دائم للبلاد يرسم ملامح مستقبل الدولة الديمقراطية الحديثة التى يتطلع لها أبناء الشعب الليبي.
وتعد التدخلات الأجنبية أحد أبرز الأمور التى تؤرق أبناء الشعب الليبى كونها تؤجج الصراع وتؤدى لأزمات سياسية وعسكرية فى البلاد، من يتعامل مع الشارع الليبى يدرك مدى الحساسية الكبيرة والمفرطة منهم تجاه أى طرف خارجى يحاول التدخل فى شؤونهم الداخلية أو فرض رؤية للحل من دون الرجوع لهم، لأن ذلك حقهم فى تقرير مستقبلهم ومصيرهم للعيش فى أمن وسلام واستقرار.
يمثل مشروع المصالحة الوطنية أهم الملفات التى تحتاج للدعم بشكل كبير فى ظل الجهود التى بذلها المجلس الرئاسى الليبى خلال الفترة الماضية بإطلاق مجلس أعلى للمصالحة، لذا يجب العمل على هذا الملف من الآن لضمان قبول كافة الأطراف الليبية بنتائج الانتخابات والتى تحتاج إلى ضمانات حقيقية كى لا يتكرر النزاع ويتم استنساخ تجربة حرب فجر ليبيا عام 2014.
ويؤكد مراقبون أن للدول الغربية وتحديدا الأوروبية شواغل كما هو الحال بالنسبة للشارع الليبي، يعد ملف الهجرة غير الشرعية ومراكز الاحتجاز للمهاجرين وملف حقوق الإنسان وعملية مراقبة حظر وتوريد الأسلحة لليبيا من أبرز الملفات والشواغل التى ستعمل الدول الأوروبية على وضع آلية للتعاطى معها خلال اجتماع باريس للسلام حول ليبيا.
يذكر أن "إعلان القاهرة" الصادر فى يونيو 2020 هو الذى رسم الخطوط العريضة لتفعيل العملية السياسية الليبية والتى تمخض عنها انتخاب سلطة تنفيذية جديدة ممثلة فى مجلس رئاسى وحكومة مؤقتة، فضلا عن تفعيل مسار اللجنة العسكرية الليبية المشتركة "5+5" والتى حققت نجاحات كبيرة وتحظى بدعم كبير من الشارع الليبى وتأييد دولى لمخرجات اجتماعاتها.