زحف طلاب جامعة فؤاد الأول «القاهرة» إلى المؤتمر المنعقد أمام سلالم الإدارة فى الحرم، لإحياء ذكرى الشهداء فى عيد الجهاد يوم 13 نوفمبر، مثل هذا اليوم عام 1946.. بدأ المؤتمر بخطاب للطالب عبدالمحسن حمودة، هاجم فيه مشروع «صدقى - بيفين»، لكن طلاب جماعة الإخوان ردوا بالاعتداءات، وفقًا لفاروق القاضى فى كتابه «تأملات فى الحركة الطلابية المصرية» عن «مركز البحوث العربية - القاهرة».
كان مشروع «صدقى - بيفين» عبارة عن معاهدة توصل إليها رئيس الوزراء المصرى إسماعيل صدقى مع وزير الخارجية البريطانية «آرنست بيفين» فى لندن، يوم 25 أكتوبر عام 1946، وحسب كتاب «الطلبة والحركة الوطنية فى مصر 1922 - 1952»، تأليف دكتور عاصم محروس عبدالمطلب: «تعهدت بريطانيا بالجلاء عن القاهرة والإسكندرية حتى 31 مارس 1947 وبقية البلاد حتى أول سبتمبر من نفس العام، وفى حالة وقوع اعتداء على مصر أو البلاد المتاخمة لها، يتخذ الطرفان الإجراءات اللازمة للدفاع عنها إلى أن يتدخل مجلس الأمن، وتكوين لجنة مشتركة للدفاع، وعدم الاشتراك فى أى حلف موجه ضد أحدهما، وبالنسبة للسودان الاحتفاظ بمعاهدة 1899 انتظارًا لأن يستطيع الطرفان بالاتفاق بينهما وبعد استشارة السودانيين وتهيئتهم تهيئة مجدة للحكم الذاتى، ومزاولة ما يترتب عليه من حق اختيار نظام الحكم فى السودان مستقبلا».
أذيع الاتفاق فى القاهرة بطريقة غير رسمية يوم 9 نوفمبر 1946 حسب تأكيد «عبدالمطلب»، وشنت الصحف حملة شعواء ضده، وكان الطلبة فى مقدمة معارضيه، غير أن فاروق القاضى وهو أحد القيادات الطلابية اليسارية فى الجامعة، وقتئذ، يؤكد أن المعوق الرئيسى أمام تعبير الطلاب عن رفضهم، كان «القمع البوليسى، لكن الأهم منه كان حلف جماعة الإخوان مع صدقى باشا، لأنه استهدف إجهاض المقاومة فى مهدها داخل المعاهد والكليات».
يذكر الكاتب المؤرخ والمفكر محمد عودة، فى كتابه «فاروق - بداية ونهاية»، عن «دار الهلال - القاهرة»: «بايع زعيم شباب الإخوان صدقى باشا بيعة لم تسبق فى تاريخ السياسة المصرية، إذ اقتبس آية من القرآن الكريم وطبقها عليه: «واذكر فى الكتاب إسماعيل أنه كان صادق الوعد وكان نبيا».. يعلق عودة: «كان استعمال الآيات وملاءمتها لكل موقف تقليدًا إخوانيًا، ولكن جاوزت هذه الآية كل الحدود وبهت لها الشباب والشيوخ».
يؤكد «عودة» أن الملك فاروق أسند تشكيل الوزارة إلى صدقى باشا عام 1946 «لشهرته فى الخديعة والقمع والبطش، ولهذا ائتلفت ضده جبهة فيها كل قوى الشباب من كل المذاهب والاتجاهات، لكنه وجد فى الإخوان أداته لتسخير الإسلام فى شق الصفوف والإجماع باسم الدين، ونسج من خياله خطرًا شيوعيًا يهول به ويشيع الخوف منه لأغراض فى نفسه، ومتخذه ذريعة لاضطهاد خصومه السياسيين وسائر الأحرار والمفكرين».
فى هذا السياق يروى «القاضى» وقائع يوم 13 نوفمبر داخل الحرم الجامعى، قائلا: «اتخذت الجماعة قرارا بإسكاتنا «اللجنة الوطنية» بالقوة وتصفية وجودنا السياسى بالعنف، فبدأوا يومهم بالاستفراد بطالبين فى الآداب من أصول أجنبية هما «ليون كرامر» و«نسيم كوهين»، وأوسعوهما ضربا، وعندما عقدنا المؤتمر على سلالم الإدارة فى الحرم، أتى الطلبة من مختلف الكليات، وبدأ المؤتمر بخطاب أعتقد أنه كان لعبدالمحسن حمودة، الذى أخذ فى مهاجمة مشروع «صدقى - بيفين»، فأخذوا يهتفون «لا حزبية ولا شيوعية»، وكان ردنا «لا فاشية ولا إخوان ولا تجارة بالأديان»، وأمام الغالبية المؤيدة لهذا الشعار لم يتورعوا عن سحب السياط والعصى التى خبأوها فى ملابسهم، وانهالوا ضربا على المؤتمرين، كانوا يعتقدون أننا أعجز عن مواجهتهم، فهم من الجوالة المدربين وبقيادة «أبو شلوع» المتين البنيان، لكن حادث الصباح قرب كلية الآداب، كان قد حرك قوانا الدفاعية بقيادة أحمد طرباى وأحمد عبده حسنين ومهدى الشربينى من قادة الطليعة، فكان التصدى»، يؤكد القاضى: «دارت معركة سقط فيها جرحى منهم ومنا، وفى المساء ألقى القبض على العديد من طلابنا فى المنازل، ووجهت لنا اتهامات «سب رئيس الحكومة» ولم يقبض على أحد منهم وهم البادئون بالعدوان».
فرضت هذه الأحداث نفسها على خطاب النحاس باشا زعيم الوفد ليلا «13 نوفمبر» بمناسبة عيد الجهاد، حسب «عودة»، وقال النحاس: «هذا هو صدقى باشا يخلق من نسج خياله خطرا شيوعيا يهول به، ويشيع الخوف منه لأغراض فى نفسه ومتخذة ذريعة لاضطهاد خصومه، هذه دعوى كاذبة يكررها، وهو يعلم قبل غيره سخافة ما يدعيه»، ويؤكد عودة: «تخلى عن صدقى باشا الجميع تماما، وحينما أوشك الطوفان أن يجرفه، أعلن الإخوان سحب الثقة منه».