- الأطراف الطامعة فى ثروات الليبيين فطنت لقوة الجيش المصرى ولم تجرؤ على تجاوز "سرت- الجفرة"
- الرئيس السيسي شحذ همة الليبيين وذكرهم بتاريخ أجدادهم المشرف عندما ناداهم بـ"أحفاد عمر المختار" حتي تعود ليبيا متلاحمة لممارسة دورها العربي والإقليمي
- العلاقات المصرية الفرنسية تصل إلى ذروتها فى التعاون على كافة الأصعدة.. و"ماكرون" وكبار رجال الدولة الفرنسية يشيدون بقيادة الرئيس السيسي الملهمة
قبل نحو عام ونصف من الآن، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يتفقد عناصر المنطقة الغربية العسكرية، بحضور القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس أركان القوات المسلحة، وقادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة؛ وهي الزيارة التي كانت تحمل رسائل حازمة وحاسمة لكل من تسول له نفسه مجرد التفكير فى الاحتكاك بأمن مصر القومي؛ فأثناء تفقده الوحدات المقاتلة للقوات الجوية بالمنطقة الغربية العسكرية، قال الرئيس السيسي:"الجيش المصري من أقوي جيوش المنطقة ولكنه جيش رشيد، يحمي ولا يهدد، وقادر علي الدفاع عن أمن مصر القومي داخل وخارج حدود الوطن".
كانت هذه رسالة للقاصي والداني، ولكل من يظن أنه بإمكانه لى ذراع مصر أو العبث على حدودها، بينما يُخيل إليه أن القوات المسلحة المصرية يمكن أن تكتفى بالمشاهدة!.
لقد وضع الرئيس السيسى قبل نحو عام ونصف خطًا أحمر لم يستطع الطامعون في نهب ثروات الشعوب العربية ومقدراتها الاقتراب خطوة واحدة منه، فضلًا عن تجاوزه، عندما تحدث بكل قوة بأن ليبيا دولة عظيمة وشعبها مناضل ومكافح، وأن مصر لم تكن أبدًا دولة غازية لأحد، وأن صبرها علي ما يحدث في الأراضى الليبية هو صبر استجلاء الموقف وليس ضعفًا، مشددًا على أن تجاوز سرت والجفرة "خط أحمر".
لقد كان حديث الرئيس السيسي، من المنطقة الغربية لمصر نابعًا من حرصه علي مصلحة الليبيين فقط، وضرورة اعتصامهم بحبل الله والوطن وألا يتفرقوا حتي لا تتسع الدائرة وتزيد أطماع الطامعين والمعتدين، حيث قال الرئيس السيسى نصًا لقادة القبائل الليبية: "عمرنا ما كنا غزاة لأحد، ولا معتدين على سيادة أحد، لكن احترمناكم ولم نتدخل، لأننا لا نريد أن يذكر لنا التاريخ أننا تدخلنا في بلدكم، وأنتم في موقف ضعف، لكن الموقف الآن مختلف، الأمن القومى العربى والأمن القومى والمصرى والليبى يهتز، لا نرغب في شيء إلا أمن واستقرار وسلامة ليبيا".
لم تكن هذه الرسائل وحسب، بل إن الرئيس السيسي واصل نداءه لليبيين بكلمات صادقة يستشعرها ويؤمن بمنبعها الليبيون أنفسهم:" إذا تحرك الشعب الليبى وطالبنا بالتدخل، إشارة للعالم على أن مصر وليبيا بلد واحد ومصالح واحدة وأمن واستقرار واحد، ويخطئ من يعتقد أن حلمنا ضعف، وأن الصبر تردد، صبرنا صبر لاستجلاء الموقف وإيضاح الحقائق لكن ليس ضعفا وتردد".
إن الأطراف والميليشيات والمرتزقة المعتدين والطامعين في مقدرات الشعب الليبي، فطنوا منذ هذه اللحظة إلي أن أى تدخل مباشر من الدولة المصرية باتت تتوفر لها الشرعية الدولية، سواء بحق الدفاع عن النفس أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة في ليبيا وهو مجلس النواب الليبى؛ ولن أكون مبالغًا إذا قلت إن حديث الرئيس السيسي، بث الرعب في قلوب هذه الأطراف التي انقلبت علي أعقابها منهزمة، بعدما كانت تمنّي النفس بالسيطرة علي حقول النفط داخل الأراضي الليبية وفي عمق البحر علي السواحل الليبية، فيما كان الهدف الأسمى لهذه الخطوط الحمراء، ما ذكره الرئيس السيسي بأن "أهدافنا حماية الحدود الغربية، وسرعة دعم استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية، باعتباره جزءًا من الأمن القومى المصرى، وحقن دماء الشعب الليبى".
ماسبق، كان تمهيدًا لتهيئة الظروف في ليبيا الشقيقة حتي تصل إلي هذه النقطة التاريخية علي صعيد الاستقرار السياسى، ودوران عجلة الإنتاج والحياة في أعقاب الاستحقاقات الانتخابية والدستورية فيما بعد 24 ديسمبر المقبل؛ وقد كان لكل خطوة خطتها مصر بكل الحرص ومسئوليتها التاريخية لاستقرار ليبيا الشقيقة، التأثير المباشر علي تعامل المجتمع الدولي مع مجريات الأحداث في ليبيا، وتبني الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لخارطة الطريق التي رسمتها القاهرة للمسار السياسى الليبي، وأيضًا إدانة الأطراف اللاعبة علي الساحة الليبية لتنفيذ أجندة خاصة بها بعيدًا عن مصلحة الليبيين.
لقد جاء مؤتمر باريس الدولي حول ليبيا- الذي اختتم فعالياته بالعاصمة الفرنسية أمس، الجمعة- ليدعم الرؤية المصرية تجاه مجريات الأحداث في ليبيا، ويمكن القول إن ما اشتملت عليه كلمة الرئيس السيسي أمام المؤتمر، تبنتها مسودة البيان الختامي الصادرة عن المؤتمر، من حيث ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، ووضع مدي زمني لخروج الميليشيات والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من الأراضي الليبية.
فقبل عامين، من مؤتمر باريس، تعهدت مصر خلال قمة برلين حول ليبيا بحماية سيادة ليبيا واستقلالها وسلامتها الإقليمية، ملتزمة بدعم جهود الأمم المتحدة لإطلاق عملية سياسية شاملة ومستدامة بقيادة وملكية ليبية من أجل إنهاء حالة الصراع واستعادة الاستقرار الذى ينشده الشعب الليبي أجمع.
ووجهت مصر حينئذ رسالة واضحة إلى كافة أطراف المعادلة في ليبيا، مفادها أن الوقت قد حان للبدء في إجراءات محددة للوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة الليبية، محذرةً من خطورة استمرار الصراع المسلح على الأمن القومي الليبي، وعلى دول جوارها العربي والأفريقي والأوروبي عموماً، وأن مصر قد تضطر لاتخاذ إجراءات لحماية أمنها القومي وحفظ ميزان القوة فى حالة الإخلال به.
لقد شدد الرئيس السيسي خلال كلمته بمؤتمر باريس، أن الموقف السابق الذي أعلنته مصر قبل عامين في مؤتمر برلين، كان له أثره الواضح على مختلف الأطراف للانخراط بجدية في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، حيث تركزت جهود مصر، مدفوعة بما يربطها بليبيا من أواصر متعددة، على إيجاد أرضية مشتركة بين الأشقاء الليبيين لإطلاق حوار وطني يعالج جذور الأزمة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بالتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة والأمم المتحدة.
الرئيس السيسي أشار في كلمته إلي أن الوضع في ليبيا يتجه إلى الأفضل، حيث يتزامن مع اجتماع باريس مرور العملية السياسية الليبية بمرحلة حاسمة تستهدف تتويج الجهود الدولية والإقليمية بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر يوم 24 ديسمبر 2021.
قبيل بدء مؤتمر باريس الدولي حول ليبيا، كانت ساحة بيت الكيمياء، بوسط العاصمة الفرنسية، الذي استضاف المؤتمر، تستعد لاستقبال الرئيس السيسي، حيث بمجرد وصول سيارة الرئيس السيسي إلي ساحة بيت الكيمياء، تدرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علي عدد من السلالم الواقف عليها لاستقبال الوفود، متجهًا إلي الرئيس السيسى، ثم اصطحبه علي سجادة حمراء، تغط جزءًا من الساحة حتي السلالم المتصلة إلس قاعة المؤتمر، حيث تبادل الرئيسان الابتسامات، والتقطا الصور التذكارية، وتبادلا عبارات الشكر والترحيب في حديث قصير على باب مركز بيت الكيمياء.
دخل المشاركين من الرؤساء والقادة وممثلي الدول إلي قاعة المؤتمر، حيث كانت الجلسة مغلقة، ثم تم بث الكلمات تباعًا، وكانت كلمة الرئيس السيسي شاملة ومحددة العناصر، وتحمل العديد من الرسائل للأطراف كافة.
امتازت كلمة الرئيس السيسي، بترابط عناصرها ورسائلها المباشرة، لا سيما عندما خاطب الليبين بـ"أبناء عمر المختار" الشهيد المقاتل الذي بذل الغالي والنفيس من أجل استقلال ليبيا وحريتها؛ فقال الرئيس السيسي فى كلمته:"اسمحوا لي أن أخاطب أشقاءنا في ليبيا مباشرة من القلب، فأقول لهم: يا أحفاد عمر المختار، لقد حان الوقت لكي تستلهموا عزيمة أجدادكم الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل الحرية واستقلال القرار الوطني، وأن تلفظوا من بلادكم كل أجنبي ودخيل مهما تغني بأن في وجوده خيراً لكم، فالخير في أياديكم أنتم إن تجاوزتم خلافاتكم وعقدتم العزم على بناء بلادكم بإرادة ليبية حرة. وفي هذا، ستجدون في مصر سنداً لكم وقوة متى احتجتموها، دعماً لأمنكم ولخياراتكم وطموحاتكم المشروعة في غد أفضل، وإعلاءً لمصالح بلادكم العليا، ويداً تمد العون لنقل الخبرات من أجل تعظيم مصالحنا المشتركة، إيماناً من مصر بوحدة الهدف على طريق البناء والتطوير والتنمية، بما يحقق آمال شعبينا الشقيقين في ظل ما يربطهما من أواصر الأخوة والجوار والانتماء العربي والأفريقي والمصير المشترك".
ثم كانت هناك رسالة أخري للرئيس السيسي تؤكد على أن استعادة الاستقرار الدائم، وتحقيق السلم الاجتماعي، والحفاظ على الهوية والنسيج الوطني في ليبيا، له متطلبات لا يمكن تجاوزها، تتمثل في إتمام المصالحة الوطنية الشاملة بين جميع أبناء الشعب الليبي، وإيلاء الاهتمام للتوزيع العادل للثروات لتحقيق التنمية الشاملة في سائر أقاليم ليبيا دون استثناء، وصولاً إلى دفع عجلة الاقتصاد وضمان الاستفادة المثلي من موارد ليبيا تلبيةً لآمال أبناء شعبها.
لقد حذر الرئيس السيسي مرارًا من أنه لا يمكن لليبيا أن تستعيد سيادتها ووحدتها واستقرارها المنشود إلا بالتعامل الجاد مع الإشكالية الرئيسية التي تعوق حدوث ذلك، والمتمثلة في تواجد القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب على أراضيها، على نحو ينتهك ما نص عليه قرارا مجلس الأمن رقما 2570 و2571، والمخرجات المتوافق عليها دولياً وإقليمياً الصادرة عن مؤتمر برلين 2، ومقررات جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، ودول جوار ليبيا، بشأن ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد بدون استثناء أو تفرقة أو المزيد من المماطلة.
ربما تكون هذه هي الكلمات الأبرز، التى طالما أرادت مصر إيصالها إلى لمجتمع الدولى، وبعد نحو عام ونصف من الخطوط الحمراء التي أعلنها الرئيس السيسي، ونحو عامين علي مؤتمر برلين، لاحت في الأفق مؤشرات قوية تؤكد علي أن هذه الرسالة تحديدًا وجدت صدي لدي الأمم المتحدة وخاصة الدول العظمي في العالم؛ وبالتالي كان هناك إجماعًا علي تبني هذا الأمر ووضع مدي زمني لخروج هذه القوات الأجنبية والمرتزقة.
ثم كانت هناك دعوة مهمة للرئيس السيسي، ليست بعيدة عن الرسائل التحذيرية التى وجهها سابقًا، حيث حث جميع الأطراف الفاعلة داخل ليبيا وخارجها إلى الارتقاء لمستوى الحدث، والتصرف بمسئولية وبمنطق رشيد، والكف عن أوهام التمدد وبسط النفوذ والعبث بمقدرات وأمن الغير، والتوقف عن سياسة فرض الأمر الواقع باستخدام القوة العسكرية أو المادية، فضلاً عن عدم توفير ملاذات آمنة أو أي شكل من أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والمتطرفة أو نقل عناصرها من دولة إلى أخرى، بما يخرج ليبيا من أزمتها ويرفع المعاناة عن شعبها الشقيق.
لقد جاء مؤتمر باريس الدولي حول ليبيا بما تشتهي مصر، فكانت من ضمن أهدافه المتفق عليها إلى توفير قوة دافعة دولية للانتخابات اللبيبة المقرر إجراؤها في ديسمبر المقبل وضرورة خروج القوات الأجنبية ووضع حد للتدخلات الأجنبية في ليبيا.
ولم يكن مشاركة الرئيس السيسي المهمة وكلمته الحاسمة أمام مؤتمر باريس حول ليبيا هي اللافتة فقط، علي الرغم من أنها جُل الزيارة؛ فلربما كان استقبال ماكرون للسيسي هذه المرة في قصر الإليزيه لافتًا أيضًا، حيث أقام له مأدبة غداء، وخرجت كلماته وفقًا للبيانات الصادرة عن الجانبين المصري والفرنسي، لتؤكد علي أن العلاقات بين البلدين تعيش أزهي عصورها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وحتي الثقافية.
وتبقي كلمات كبار رجال الدولة في فرنسا، حاضرة بقوة في لقاءات الرئيس السيسي معهم زيارته لباريس، حيث أشادوا بالمشروعات التنموية في مصر وبالتقدم المحرز سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، تحت قيادة ملهمة من الرئيس السيسي.