اندفع شاب فى العشرين من عمره مثل الصاروخ إلى خشبة أشهر مسارح فرنسا «أولمبيا»، أثناء اندماج سيدة الغناء العربى أم كلثوم فى قصيدتها «الأطلال» فى حفلها الثانى بالعاصمة الفرنسية باريس يوم 15 نوفمبر، مثل هذا اليوم 1967، وارتمى تحت قدميها فى هيستيريا يحاول أن يقبلهما، وفقا لجريدة الأهرام التى وصفت الحدث فى تقرير مطول لها عن الحفلة فى عددها 18 نوفمبر 1967.
تضيف «الأهرام»: «هزت المفاجأة أعضاء الفرقة الموسيقية، وقفز المذيع جلال معوض خلف الشاب، كما قفز وراءه رفعت الدسوقى ابن شقيقة أم كلثوم».. تؤكد الأهرام: «فى هذه اللحظات كان خوف الشاب من أن يصيبه شىء جعله يلقى بكل ثقله على قدمى أم كلثوم على المسرح بعد أن تعثرت قدماها، وقبض رجال الأمن على الشاب، لكن الجمهور المذهول مما حدث أفاق لكى يكيل له اللكمات حتى سالت دماؤه، واستدعى رجال البوليس سيارة الإسعاف التى نقلته تحت الحراسة إلى المستشفى، واستأنفت أم كلثوم الغناء بعد أربع دقائق».
تذكر «الأهرام» أن أم كلثوم طلبت أن تعرف مصير هذا الشاب، وسألت السفير المصرى فى فرنسا عبدالمنعم النجار عنه، وطلبت منه التدخل حتى لا يصيبه أى مكروه، فأبلغها «النجار» أن الشرطة سوف تفرج عنه بعد أن استمعت إلى أقواله حيث تأكد أن الشاب فقد مشاعره عندما حاول أن يعبر عن تقديره نحو أم كلثوم، وتبين أنه من الجزائر، وادخر 130 فرنكا فرنسيا «حوالى 13 جنيها مصريا» طوال الشهر الماضى حتى يحضر الحفل ويرى أم كلثوم.
كان مشهد الشاب الجزائرى المثير واحدا من مشاهد أخرى مثيرة فى هذا الحفل الثانى لسيدة الغناء العربى على مسرح «أولمبيا»، وكان حفلها الأول قبل يومين «13 نوفمبر 1967».. من هذه المشاهد وحسب الأهرام، فإن مسرح «أولمبيا» باع 500 تذكرة إضافية فى ثانى حفلات أم كلثوم على شرط أن يقف أصحابها على جانبى القاعة وكذلك مؤخرتها، وكان ثمن التذكرة 5 جنيهات إسترلينية ارتفعت فى السوق السوداء إلى 8 جنيهات، وأن الشريفة «دينا بنت عبدالحميد» الزوجة الأولى للعاهل الأردنى الملك حسين حضرت الحفل، وأمضت 24 ساعة فقط فى باريس عادت بعدها إلى لندن، وعلى صعيد الاهتمام الرسمى الفرنسى أصدر وزير الاستعلامات الفرنسى أول قرار من نوعه فى تاريخ التليفزيون الفرنسى، وهو استمرار العمل حتى انتهاء الحفل، والمفروض أن ينتهى عمل التليفزيون الفرنسى الساعة 12 لكنه استمر ليلة الحفل الثانى حتى الثالثة و10 دقائق من صباح الخميس، حتى تنتهى بعثة التليفزيون العربى من تسجيل الحفل.
كان لليهود حضورا فى جملة هذه الأحداث المثيرة فى الحفلين، خاصة أنه قبل 6 شهور وقعت هزيمة مصر من إسرائيل فى 5 يونيو 1967.. فى ملف لمجلة «اللوموند الفرنسية» نشرته «الأهرام، 12 أغسطس، 2016» عن أهم العروض الفنية التى شهدتها فرنسا عبر تاريخها، وأكدت أن حفل أم كلثوم كان واحدا من أهم هذه العروض.. تذكر: «ما أثار اندهاش كوكاتريكس، مدير وصاحب مسرح «أولمبيا» هو وجود أكثر من 55 يهوديا من المغاربة، مما أشعره بالقلق، وقام على أثر ذلك بتكثيف الحراسة وتعزيز الأمن، إلا أنه فوجئ بأن اليهود فى حالة انتعاش مثل الجميع، وفى حالة صمت للاستماع لصوت كوكب الشرق، بالإضافة إلى قيامهم بالتصفيق والصفير، تعبيرا عن إعجابهم الشديد بها، فتوجه على الفور وطرح تساؤلا.. كيف تعشقون صوت أم كلثوم لهذه الدرجة وهى تغنى بضرورة التصدى لليهود «إسرائيل» ومحاربتهم؟.. أجابوه قائلين: أم كلثوم أعظم مطربة فى التاريخ ولا يمكن إنكار هذه وهى تمتعنا بفنها وطربها الأصيل، وهذا أمر لا علاقة له بالأمور السياسية».
كان المذيع جلال معوض يربط بين الفن والسياسة فى تقديمه للحفلين..تذكر الأهرام فى عددها 16 نوفمبر 1967: «مع جميع إذاعاتنا العربية عاشت الأمة العربية من الخليج إلى المحيط 10 وربع مساء حتى فجر اليوم تستمع إلى سيدة الغناء العربى أم كلثوم تحيى حفلها الثانى فى باريس، غنت، أمل حياتى، فات الميعاد، الأطلال، وقدم جلال معوض الحفل بحماس، وجاء صوته من خلال الأثير من العاصمة الفرنسية يردد كلمة «سننتصر».
تذكر «اللوموند»، أن الممثل الفرنسى «جيرار ديبارديو» تحدث فى كتابه «البرىء» عن سبب اعتناقه الإسلام، وفيما يتعلق بحياته الروحية، حيث قال إن أغانى المطربة المصرية أم كلثوم ألهمته للتعرف بالقرآن الكريم، ومن ثم اعتنق الإسلام، وفى تفاصيل القصة أنه حضر الحفل الذى أقامته كوكب الشرق بصحبة أصدقاء مسلمين، وأثر صوتها الشجى فيه بشكل كبير، وبعد الحفلة قرر اعتناق الإسلام.
تؤكد الأهرام، أن إيراد الحفلتين بلغ 35 ألف جنيه إسترلينى، كان نصيب أم كلثوم منها 14 ألفا حولتها إلى المجهود الحربى.