خرج طالب كلية الحقوق جامعة القاهرة الفدائى «جواد حسنى» مع مجموعة من زملائه، فى دورية استطلاعية بالقنطرة شرق جنوب مدينة بورفؤاد، يوم الجمعة 16 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1956، وتوغلوا داخل سيناء، فقابلتهم دورية إسرائيلية، واشتبكوا معها، فأطلق «جواد» رصاص رشاشه عليهم، وأثناء تبادل النيران أصابته رصاصة فى كتفه الأيسر، ورفض محاولات زملائه لنقله إلى المستشفى، وطلب منهم الانسحاب تحت حماية رشاشه، واستمر على هذا الحال حتى وصل إلى القطاع، الذى احتلته القوات الفرنسية على الضفة الشرقية من القنال عند الكيلو 37 جنوب بورفؤاد، واشتبك بمدفعه سريع الطلقات «600 طلقة فى الدقيقة» وقنابل يدوية، وظن الفرنسيون أنهم يواجهون قوة كبيرة، وطلبوا النجدة، فجاءت قوة إضافية بدباباتها ومصفحاتها، وظل على قتالها حتى سقط مغشيا عليه، نتيجة الدماء التى كانت تنزف من كتفه، حسبما يذكر «ضياء الدين حسن القاضى» فى كتابه «الأطلس التاريخى.. بطولات شعب بورسعيد 1956».
فوجئت القوات الفرنسية، عند القبض عليه، به شابا فى الحادية والعشرين من عمره، يحتضن مدفعه والدماء تنزف منه، فحملوه إلى معسكر الأسرى فى نادى بورفؤاد الرياضى، وعزلوه فى حجرة صغيرة، وعلى حائط حجرة سجنه، كتب بدمائه يوميات اعتقاله وتعذيبه.. كتب يوم 16 نوفمبر:«أغمى على قرب القنال متأثرا بجروحى، التى أصابنى بها الإسرائيليون قرب العريش، أخذنى الفرنسيون إلى بورسعيد للاستجواب ثم إلى بورفؤاد».
كانت بطولة «جواد حسنى»، إحدى بطولات المقاومة الفدائية التى شهدتها «بورسعيد»، أثناء العدوان الثلاثى «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل» ضد مصر، وبدأت بغارة إسرائيلية يوم 29 أكتوبر 1956.. كان ابنا لعائلة وطنية، ويذكر «القاضى» عن قصة حياته، من كتاب صدر عنه من المجلس الأعلى للشباب والرياضة عام 1957، ضمن سلسلة «شباب خالد»، أنه ولد فى 20 إبريل 1935 بحى «جاردن سيتى» بالقاهرة، وكان والده من أسرة لها تاريخ نضالى، فجده كان من أنصار أحمد عرابى، ووالده «على زين العابدين حسنى» اشترك بمظاهرات الطلبة فى ثورة 1919 بالإسكندرية، واعتقل إلى أن أفرج عنه سعد زغلول عند توليه الوزارة، وأكمل تعليمه فى إنجلترا وتزوج من إنجليزية، وعاد بزوجته عام 1930، واشترك فى جميع المفاوضات المصرية البريطانية، التى انتهت بتوقيع اتفاقية الجلاء عن مصر فى أكتوبر 1954، ولهذا حصل على وسام الجمهورية، أما الضابط البحرى فؤاد حسنى فهو عم جواد، وكان ضمن طاقم الباخرة الحربية «فاروس»، التى كانت تدافع عن مياهنا الإقليمية أمام مدينة الإسكندرية فى الحرب العالمية الثانية، وارتطمت بلغم بحرى غرسه الأعداء فانفجرت، واستشهد عام 1942، ورقدت جثته فى قاع البحر.
التحق «جواد» بكلية الحقوق عام 1953، ثم التحق بالكتيبة العسكرية، وأثبت تفوقا عاليا فى التدريب، ومع بدء العدوان الثلاثى، تقدم صفوف الطلاب المتطوعين، الذين وصلوا إلى أرض سيناء، وعاد إلى القاهرة يوم 10 نوفمبر 1956 فى إجازة يومين، وخلالها سهر مع زملائه إلى الفجر، تناولوا العشاء على حساب السيدة روزاليوسف، ثم عاد إلى ميدان القتال يوم 13 نوفمبر، ليواصل مهمته، وكانت الصحفيتان مديحة عزت، وإنجى رشدى، ضمن صحبته فى هذا العشاء، حسب رواية «عزت» فى مقالها «السلام عليكم» بمجلة «روزاليوسف، 19 سبتمبر 2017».. تذكر فى مقال آخر بعنوان «ودارت الأيام» فى «روزاليوسف 21 فبراير 2016».
كانت آخر كلماته، آخر يوم سهر معنا فى القاهرة: «لا تنسونى يا زملاء العمر».. تشير فى نفس المقال إلى دورها معه، والصحفية إنجى رشدى، والدكتور يوسف إدريس قائلة:«كيف يا جواد كنت أنا والزميلة إنجى رشدى نصل إليك وزملاءك فى قرية «الحسينية» ببورسعيد، وتصطحب الجرحى إلى العيادة التى كان يشرف عليها الدكتور يوسف إدريس».
فور اعتقاله، خضع لاستجوابات وتعذيب قاس للاعتراف عن زملائه إلا أنه رفض بإصرار، فحضر قائد القوات الفرنسية فى بورفؤاد الكولونيل «بازان» بنفسه إلى معسكر الأسرى ليستجوبه، وفوجئ بإصرار جواد على ألا يبوح بكلمة، فأوهمه بأنه سيطلق سراحه، وأمره بالخروج من الحجرة، وأثناء سيره أطلق الجنود الفرنسيين رصاصهم على ظهره، فسقط شهيدا يوم 2 ديسمبر1956.
يتذكر الدكتور حسام عيسى، أستاذ القانون والمفكر ووزير التعليم العالى «2013 - 2015»، الحالة التى بدا عليها صديق عمره المستشار فتحى نجيب «رئيس المحكمة الدستورية عام 2003» حين تلقى خبر استشهاد جواد، قائلا:«أذكر جيدا كيف تلقى خبر استشهاد زميلنا جواد حسنى، الذى كان يعرفه جيدا، وكأنه أحس بغيرة منه، لأنه استشهد فى سيبل الوطن»، مقال «ورحل قاضى القضاة فتحى نجيب، الأهرام، 21 أغسطس 2003».