بينما يجرى الحديث الآن حول المسار السياسى فى ليبيا، لا تزال هناك شكوك فى مدى جدية الدول الكبرى تجاه المرتزقة والميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وهى تنظيمات كانت نتاجا لسياسات وحروب بالوكالة على مدى عقد كامل، وكلما ارتفعت أصوات الحل السياسى خرجت أصوات تعلن الاعتراض على المسار السياسى، بمزاعم ظاهرها السياسة، وباطنها تمثيل مصالح ممولى وداعمى المرتزقة.
هناك طرف واحد فى هذه المعادلة ظل يتمسك بوجهة نظر واحدة، على مدى سنوات، هذا الطرف هو الدولة المصرية، التى تمسكت دائما بمطلب ضرورة إبعاد التدخلات الخارجية وطرد المرتزقة والميليشيات، باعتباره الحل الوحيد. وبسبب هذه السياسة دفعت مصر الكثير، وواجهت هجمات إرهابية وحملات دعائية ممنهجة، فى منصات وقنوات تمول من نفس جهات تمويل التنظيمات والميليشيات، وهى علاقة ظاهرة، وكل خطوة نحو المسار السياسى تتبعها حملات ومساع لإشعال صراع أو تنفيذ تهديد، فضلا عن حملات منهجية تحرض وتنتج شائعات.
بعد هزيمة الإرهاب، لم تعد جهات تمويل الإرهاب تملك سوى حملات الهجوم، ومحاولات أخرى لإشعال فتنة طائفية، أو تضخيم صورة، ولا يخلو الأمر من تقارير ظاهرها حقوقى، وباطنها داعم للإرهاب ومتحالف معه.
هى محاولات أصبحت متوقعة ومحفوظة، فيديو قديم لشخص تافه يهاجم الإسلام، وحملات تضخم من الحدث وتحرض على المسيحيين، رهانا على إشعال فتنة طائفية، أو نشر شائعات عن أحداث ومظالم غير موجودة لإشعال فتنة اجتماعية، والمصريون حفظوا هذه المحاولات وأصبحوا يتعاملون معها بالسخرية والاستخفاف، وهو ما يقضى عليها فورا بلا جهد كبير.. وعلى مدى عقود أصبحت لديهم مناعة ضد هذه الألاعيب، خاصة أنهم يشاهدون أنها تتزامن مع كل خطوة تخطوها الدولة للأمام، إقليميا وداخليا، مع تمسك مصر والرئيس السيسى بمطالب تتعلق بضرورة إخراج الميليشيات ووقف التدخلات، ووقف تمويل الإرهاب أو توفير ملاذات آمنة له، وهى إشارات لا تخطئها العين إلى دول وأجهزة، لا تزال تراهن على إنجاح مخططات استعمال التنظيمات الإرهابية لإنجاز أهداف التقسيم والتفكيك، وهى أهداف أثبتت التجربة والسنوات الأخيرة استحالة نجاحها، لأنها فشلت بينما كانت أوضاع مصر الداخلية والخارجية أقل مما هى عليه الآن بمرات، وبالتالى يستحيل تحققها الآن، فى ظل كشف الخيوط وأيضا تراجع بعض الدول الكبرى عن الرهان على خطط التفكيك، بل وسحب رهاناتها على تنظيمات الحرب بالوكالة.
من هنا يمكن النظر إلى الزوابع الصبيانية التى حاولت لجان الوكالة إثارتها، بفيديو كاهن مشلوح أو اختراع أحداث غير موجودة أو حتى إطلاق تقارير منظمات خدمة الإرهاب، والتى تتوازى مع منصات إطلاق الدعاية والحملات الهجومية، ولحقت هذه الحملات بسوابقها، ولهذا ينطلق الهياج فى معسكرات تنظيم الإخوان الجاهز لخدمة أى ممول.
المسار السياسى فى ليبيا يقترب من الانتظام، بعد سنوات من الفوضى، وهو أمر يثير قلق ومخاوف تنظيمات وميليشيات داخل ليبيا أو حتى فى غرب أفريقيا أو نقاط التمركز، لأن كل هزيمة للمرتزقة تضيق من فرص هذه التنظيمات فى الحياة والبقاء وتلقى تمويلات مقابل أدوار تلعبها.
وكل محاولة لتغيير معادلات الحرب بالوكالة، وانسحاب الدول الكبرى من اللعبة وإعلان دعمها لخطوات وقف المرتزقة والتدخلات، والحلول السياسية، تتعارض مع مصالح الدول الداعمة للحروب بالوكالة، والتى سعت للحصول على نفوذ ومصالح اقتصادية، لكنها تصطدم بمصالح وتقاطعات دول أخرى تغير الرهان وتنقله نحو المسار السياسى.
لقد كانت خطوط مصر الحمراء بداية لتراجع تنظيمات وميليشيات المرتزقة، نحو المسار السياسى، لكن تبقى جيوب المرتزقة معبرة عن آخر محاولات التشبث بالفوضى، التى تتلاشى مع كل خطوة نحو توافق سياسى بين الليبيين، وكل خطوة نحو ليبيا، تبعد وكلاء الحرب وممولى الإرهاب، خطوات نحو الخروج.