المعجم التاريخى للغة العربية كان حلمًا فى الماضى يحكى قصة لغة الضاد، ويتتبع كل كلمة وما دلالتها وكيف استعملت وهل استمرت الدلالة عبر العصور أم لم تستمر؟ ونحن كعرب لم نملك فى الماضى معجما تاريخيا قبل أن يطلقه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة، خلال فعاليات معرض الشارقة الدولى للكتاب بدرته الـ40، والذى اختتم يوم 13 نوفمبر الماضى، ليسجل لحظة تاريخية فارقة فى تاريخ العرب واللغة العربية، وكان لـ"انفراد" حوار مع الدكتور مأمون وجيه، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة والمدير العلمى للمعجم التاريخى، إلى نص الحوار..
ـ ما هو المعجم التاريخى للغة العربية؟
المعجم التاريخى يختلف عن المعاجم بوجه عام، حيث إن المعاجم كتبا تشرح وتجمع مفردات اللغة العربية، وتوضح هذه المفردات، وهى تقابل ما يقال عنه بالقواميس، لكن المعجم التاريخى يحكى قصة اللغة العربية، الناس لديها من كتب التراجم ما يسمى معاجم التراجم، التى تترجم للأشخاص، فتأتى بالشخص منذ ميلاده إلى كل مراحل حياته، لكن المعجم التاريخى يتعامل مع كل جذر وكأنه علم، ويبدأ مع هذا الجذر ما هى الأسرة اللغوية التى تفرعت منه بكل الكلمات، وفى كل كلمة يتتبعها، متى بدأت ومتى استعملت وما دلالتها وهل استمرت الدلالة فى بقية العصور أم لم تستمر الدلالة وإلى غير ذلك، نحن كعرب ليس لدينا معجم تاريخى سواء هذا المعجم الآن.
ــ هل كان للعرب قديمًا معاجم وهل سبقهم الغرب فى تأليفها؟
العرب أبدعوا فى المعاجم منذ عهد الخليل بن أحمد ومن جاء بعده، والمعجم التاريخى سبقنا إليه الغربيون، فالغرب فى فرنسا صنعوا المعجم التاريخى الخاص باللغة الفرنسية، فجن جنون الإنجليز، وبعد فترة طويلة أصدروا معجمهم التاريخى للغة الإنجليزية، وعاش المثقفون العرب فترات طويلة يحلمون بهذا المعجم، وهل يستطيع العرب أن يصنعوا معجمًا تاريخيًا للغة العربية؟ وهى فكرة قديمة وكان مولدها فى مصر، وتحديدًا فى عام 1932م، حينما صدر مرسوم ملكى بإنشاء مجمع اللغة العربية فى مصر، والمادة الثانية منه على أن يكون من مهامه عمل معجم تاريخى للغة العربية، وفى هذه الفترة تنفيذا للمرسوم الملكى شكل المجمع لجنة وترأسها المستشرق الشهير فيشر بصفته عضوًا فى مجمع القاهرة فى هذا الوقت، لكن قامت الحرب العالمية وتوقف الدنيا وتوقف المشروع، لكن حاول الدكتور طه حسين مرة أخرى ولم ينجح، وبعد ذلك ظهرت أكثر من محاولة ولم تنجح لظروف معقدة كثيرة، لأن هذا المشروع لغوى حضارى عملاق يحتاج إلى دعم ضخم جدًا وفريق عمل ضخم، وظل الأمر هكذا والناس بين شوق ورجاء والمثقفون ينتظرون ويأملون من يسعفهم بهذا المعجم إلى أن دعم الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، حاكم الشارقة، هذا المشروع، دعما كبيرًا بدأ بإنشائه اتحاد المجامع العربية فى مصر، ليكون مقرًا لمجامع اللغة العربية.
ــ حدثنا عن فترة التخطيط لتنفيذ مشروع المعجم التاريخى للغة العربية؟
أخذت فترة التخطيط مدة طويلة، لأنه عندما نقدم على أى مشروع لابد أن نقدم ما يسمى دراسة جدوى، والتى توضح هل سينجح أم لا؟، ولابد من عمل تلك الدراسة، ونحن درسنا نقاط الضعف ونقاط القوة وما الفرص والتحديدات، وهو ما يسمى التحليل الرباعى، ووجدنا لدينا من نقاط القوة الكثير، فلدينا طاقة بشرية علمية هائلة فى الوطن العربى ولدينا تراث لغوى هائل منذ قبل الإسلام إلى يومنا هذا، إلى جانب تراث المؤلفات ونتاج العقل العربى فى شتى العولم والفنون فى اللغة والفنون والآداب والمنطق والتفسير إلى آخره، فنقاط القوة هذه لابد من استثمارها، ولكن كان لدينا بعض المشكلات فى أننا لم نتعود على العمل الجماعى والتقنية والحوسبة وعدم تطويع اللغة العربية لذلك، ولكن كانت المشكلة الكبرى هو توفير الدعم، وعندما دعم حاكم الشارقة وتكفل بالمشروع من الألف للياء، فتم حل جميع المشكلات، فكان القرار فى النهاية بعد دراسة كل هذه الوجوه أن نبدأ فى العمل، وتم تشكيل فرق عربية لأن المعجم التاريخى للغة العربية لابد أن يصنعه العرب، فكان التفكير أن يسند هذا العمل أولا إلى مؤسسة علمية ضخمة، فتم إسناد المعجم إلى أكبر هيئة علمية فى هذا المجال وهو اتحاد المجامع للغة العربية، وهو منظمة تضم المجامع العربية فى كل الدول العربية.
ــ ماذا بعد إسناد المشروع لاتحاد مجامع اللغة العربية؟
تم وضع منهجية، لأن أى عمل كبير يحتاج إلى خطة عمل وهى أشبه بالخريطة، وقد عهد إلى بذلك، وتم وضع منهجية العمل، وعرض ذلك على اتحاد المجامع فى مواطن كثيرة وأقرت، ثم بعد ذلك تم تشكيل فرق فى كل المجامع العربية، وهذه الفرق كانت تحتاج إلى تدريب للعمل، حتى يكون العمل على نسق واحد فى كل مكان، فدربنا جميع الفرق العاملة فى هذا المشروع بكل الدول العربية مثل "القاهرة والشارقة وتونس والمغرب والجزائر والسعودية".
وانطلق العمل فى كل مكان وتمت المتابعة العلمية الدقيقة جدا والمراجعات المحكمة، وتم إصدار الطبعة الأولى للمعجم التاريخى للغة العربية فى 17 جزءا فى 5 أحرف فقط، وهذا مشروع عملاق، لكن ما حدث فتح مبين فى تاريخ العربية وفى خدمة اللغة العربية، ونحن ما زلنا على الطريق والعمل يجرى على قدم وساق فى كل المجامع.
ــ متى سينتهى العمل من المعجم التاريخى بشكل كامل؟
وفقًا للخطة الموضوعة لإنجاز المعجم التاريخى فسيتم إنجازه فى موعده المقرر، حيث كان للمعجم خطة خمسية وانتهينا الآن من عامين، ونتوقع بعد عامين نكون قد انتهينا أو على الأكثر بنهاية الخطة الخمسية التى انصرم منها عامان، حيث إننا فى أول عام أخرجنا "الهمزة والباء" كنسخة تجربية لأن التخطيط العلمى الصحيح يجب أن تخرج نموذجًا لهذا العمل ويعرض على أهل الاختصاص لينظروا فيه، وتم عرض النسخة التجربية فى جميع المجامع اللغة العربية وتلقينا تقارير من العملاء ووضعنا تلك التقارير وعقدنا عددًا من اللقاءات العلمية المتكررة، وتمت مناقشتها وما وجدناه صوابًا أخذنا به وما وجدنا ما يستحق التعديل تم تعديله وربطنا ما بقى وفقًا لنهاية تلك التعديلات ومازالتا نحدث الأمر لأن هذه الأعمال تحتاج لمتابعة علمية دقيقة جدًا، فهذا العمل يخضع لتخطيط علمى دقيق لم يسبق من قبل.
ــ كيف تصف هذا الإنجاز العظيم "المعجم التاريخى للغة العربية"؟
هذا المشروع مفخرة للعرب وللعربية وللإرث العربى والتاريخ اللغوى للعرب.
ــ نريد أن تحدثنا بمثال عن ما الذى يحتويه المعجم التاريخى بين طيات صفحاته؟
المعجم التاريخى للغة العربية الذى بين أيدينا الآن اقتصر على اللغة العربية الفصيحة وهى لغة التعليم والإعلام، ويأخذ بالحروف الأبجدى، وكل جذر يخرج منه جميع الكلمات التى تولدت من هذا الجذر "أفعال، أسماء، مشتقات" وتعالج معالجة تاريخية لغوية مثل متى بدأت الكلمة؟ وما معناها؟ وهل المعنى تغير أم لم يتغير؟ وهكذا، وعلى سبيل المثال كلمة قهوة إذا قرأت فى الكتب القديمة فسنجد من يتحدث عن تحريم القهوة لماذا لأن القهوة فى الجاهلية قبل الإسلام معنى القهوة "الخمر"، وكل ما ورد فى الشعر الجاهلى عن القهوة فنجد معناها الخمر، فيما بعد العصر الإسلامى تم تحريم الخمر الذى يحتوى على الحدة، فبدأ تحريم كل المشروبات التى بها حدة وخاصة اللبن الحامض، وبدأ يطلق عليه أنه قهوة، ولكن الدلالة تغيرت فأصبحت القهوة تعنى اللبن الحامض، وفيما بعد أصبحت كلمة القهوة يطلق على نبات يزرع فى اليمن وبلاد أخرى، ليصنع من هذا النبات مشروب يقدم للناس اسمه القهوة، لنجد أن كلمة القهوة الآن تعنى المشروب، ثم تطورت الدلالة بعد ذلك يطلق على الأماكن التى نجلس عليها المقاهى فأصبحت مكان لتناول المشروبات، ومن هذا المثال نوضح كيف يكون للكلمة عدة دلائل ومعانى، والمعجم التاريخى يرصد كل هذا ويوضحه بالتواريخ والعصور، وهذا لم يكن موجودًا فى أى معجمًا من قبل.
ــ ما المصادر التى اعتمد عليها معجم اللغة العربية؟
عدد الكلمات العربية ضخم جدًا والمعاجم العربية القديمة بها جذور العربية ربما تتجاوز 15 ألف جذر وكل جذر تحته عدد ضخم من الكلمات، والمعاجم القديمة قامت على ما يسمى بعصور الاحتجاج اللغوى وهو منتصف القرن الثانى الهجرى، وإذا نظرت للمعاجم الموجودة كلها لم تجد نصًا نثريًا ولا بيتًا شعريا لشاعر عاش فى القرن الثالث أو الرابع أو الخامس أو السادس أو السابع الهجرى، فلم تجد بيت شعرى لشوقى ولا لحافظ وغيرهم فى تلك العصور، والمعجم التاريخى قام بجمع جديد للغة العربية وهذه عملية جوهرية جدًا فى صناعة هذا المعجم، فكان راوي اللغة القديمة يذهبون إلى الأسواق ليجمعوا الألفاظ ويسجلونها، ولكن ماذا صنعنا؟ صنعنا مدونة لغوية وقمنا بتحديد صادر هذا المعجم، أى تحديد الكتب التى سنأخذ منها هذا المعجم، فجعلنا المعاجم العربية القديمة مصادر ثانوية لا نرجع إليها، ولكن جعلنا المصادر من كتب الدب والشعر والفقه والتفسير والطب والهندسة، كل الكتب التى تشمل الثقافة العربية، جمعًا تاريخيًا وجغرافيًا، بحيث تكون هذه المصادر ممثلة للغة العرب فى كل الجغرافية العربية من نتاج التراث العلمى العربى من الألف إلى الياء.
ــ هل يتميز المعجم التاريخى بعد انتهاء العمل به عن المعاجم الأخرى فى العالم؟
سيحتوى المعجم على جميع الألفاظ الموجودة فى كل الفنون العربية، وهذا هو أحسن تمثيل للغة وهو معجم تاريخى يضارع بل يفوق أحسن المعاجم التاريخية التى صنعت فى العالم.
ــ هل سيظل المعجم التاريخى مفتوحًا للتحديث؟
بالطبع، سيظل المعجم التاريخى للغة العربية مفتوحًا للتحديث، حيث سيتم تحديثه كل خمس سنوات مثلما تصنع المعاجم العالمية "الإنجليزى أو الفرنسى"، وسيكون هناك ما يشبة المراصد اللغوية، ولابد من تحديثه، حيث سيتم ذلك عبر موقع المعجم على الإنترنت والمكتوب أيضًا، وهذا سيظل خاضعا للتحديث.