قبل سنوات كانت هناك أسئلة عن نقطة البداية التى يفترض أن تبدأ منها مصر باتجاه التقدم، هل هى الاقتصاد أم الصحة، الريف أم المدينة؟ وأى الملفات يمكن أن تكون بداية للعمل، فقد كان الرهان من الخارج والمراقبين على أن مصر لو اتجهت إلى القضايا الداخلية، فإنها تحتاج إلى عقود حتى يمكنها إصلاح الاقتصاد والبنية الأساسية، وتتخلص من العشوائيات وفيروس الكبد وتعالج المرضى وتواجه مشكلاتها، فالاحتياطى النقدى الأجنبى متآكل، والوضع الداخلى مرتبك ومتراجع.. والجزء الثانى من الرهان كان أن مصر لو تفرغت للقضايا الداخلية لن يمكنها أن تستعيد تأثيرها الإقليمى والجغرافى وتحظى بالثقة الدولية، لكن الدولة المصرية تحركت على محورين أساسيين، استراتيجية المبادرات وممرات التنمية.
المحور الأول هو محور استراتيجية المبادرات، والتى بدأها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مواجهة الأخطار الحالية والمشكلات التى لا تحتمل التأجيل، سياسة المبادرات نجحت فى توفير الجهد والوقت، وساهمت فى تحقيق النتائج بشكل تجاوز الكثير من العراقيل الإدارية أو البيروقراطية، وأولها فيروس الكبد الوبائى سى، والذى بدا مستعصيا على المواجهة، كان يمثل تهديدا واضحا، نجحت مبادرة القضاء على فيروس «سى» فى علاج ملايين المصريين، بعد عقود ظل فيها المصريون تحت رحمة فيروس قاتل، عاجزين عن تلقى العلاج، لكن المبادرة نجحت فى علاج المرضى بالمجان، بينما كان الدواء يباع بعشرات الآلاف فى دول أخرى، بل امتدت المبادرة لعلاج مليون أفريقى، فضلا عن اللاجئين وكل من يعيش على أرض مصر.
وقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية مبادرة القضاء على فيروس الكبد «سى» نموذجا يحتذى به ويمكن نقله لدول أخرى، وأيضا مبادرات «100 مليون صحة» ومواجهة مرض الضمور العضلى وعلاج التقزم وضعف السمع فى الأطفال، وفحص السيدات المبكر للوقاية من سرطان الثدى، فى إطار أن الصحة تمثل أحد أهم محاور الحماية الصحية والاجتماعية.
ومبادرة إنهاء عار العشوائيات ونقل سكانها ليس إلى مساكن إيواء لكن إلى مجتمعات إنسانية وحضارية فى الأسمرات وغيط العنب، وتم إعادة بناء المناطق العشوائية مثل تل العقارب أو الأحزمة العشوائية والمناطق الخطرة، مع استمرار برامج الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجا.
ثم تأتى مبادرة حياة كريمة ضمن عملية بناء شاملة للدولة بالشكل الذى يستحقه المواطنون، وتتضمن النهوض بمكونات البنية التحتية من مياه وكهرباء وغاز وصرف صحى وتبطين الترع ورصف الطرق وخدمات الصحة والتعليم، وتشمل 4500 قرية وتوابعها، تمثل 56% من السكان، وتنتهى خلال 3 سنوات، وتم رصد 700 مليار جنيه تستفيد منها محافظات مصر ويقول الرئيس: «حرصنا على بدء المشروع فى مثل هذا اليوم ليكون تغييرا حقيقيا لأكثر من نصف سكان مصر.. بين 50 و60 مليون إنسان فى الريف نغير حياتهم».
«نسعى لتغيير حقيقى لأهلنا فى الريف، والبلاد لا تبنى بالكلام والأمانى»، تلك كانت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء تفقده للمعدات الخاصة بمبادرة «حياة كريمة» المبادرة التى تأتى من بين مبادرات نجحت على مدى السنوات الثمانى الماضية فى تغيير واقع فئات كثيرة من المجتمع، وتتعلق بأكثر من نصف السكان فى مصر، وقرى ظلت بعيدة عن الاهتمام لعقود، وبقيت التنمية فى هذه الأقاليم تتوقف عند عمليات ترميم.
المحور الثانى هو محور ممرات التنمية فتح ممرات التنمية وربط البحر الأبيض بالأحمر والعاصمة الإدارية، بالطرق والكبارى، شبكة طرق تمتد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وتربط موانئ البحر الأحمر بالمتوسط، وقطارات كهربائية سريعة، تربط خطوط الاستثمار والسياحة، مع تطوير للنقل العام والجماعى، وأنفاق تربط سيناء بالوادى والدلتا مع إضافة 400 ألف فدان فى سيناء ومليون ونصف فى الدلتا الجديدة، تطوير الصناعات التقليدية وفتح أبواب الاستثمار، وكلها تعالج الزيادة السكانية وخطط للتوسع فى الطاقة الشمسية والرياح، وكلها خطوات تشجع الاستثمار وتفتح الباب لفرص عمل.
سياسة المبادرات والممرات، تفتح الباب لمزيد من الخطوات، وما تحقق يمكن وضعه وسط خرائط ما جرى حولنا لنعرف فى أى نقطة بدأنا وإلى أى نقطة انتهينا.