يعترف الكاتب المسرحى نعمان عاشور، بأن الرهبة استولت عليه وهو يفكر فى لقاء عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، لتهنئته بعيد ميلاده الـ75 «مواليد 14 نوفمبر 1889».. يذكر «عاشور» أن هذا الشعور له جذوره التى تمتد إلى عشرات السنين، وتستطيل حتى تصل إلى أقرب الشهور..يؤكد أنه قطع شارع الهرم مع دخول المساء وهو متوجه إلى دار طه حسين «رامتان» بين الحقول وفى ذهنه هذا الإعراض الذى يتلقاه منه هو وغيره من أدباء جيله الذين يكتبون المسرح بالعامية والرواية والقصة بحوار عامى، والشعر المسمى بالشعر الحر، ورغم هذا الموقف فإن نعمان عاشور يؤكد: «مع ذلك فليس أكبر فضلا ولا أعمق أثرا من طه حسين علينا جميعا، وعلى الجيل الذى سبقنا، وعلى كل جيل سيأتى بعدنا».
يؤكد «عاشور»: «خطوت إلى لقائه وأنا أقدم رجلا وأؤخر الثانية.. حييته باسم ملايين من العرب.. بل ملايين من البشر الذين عرفوه وأحبوه وأفاقوا منه فى مختلف ميادين النشاط الإنسانى التى ساهم بجهوده الخلاقة فى بنائها كاتبا ومفكرا ومصلحا».
يسجل «عاشور» تلك الحالة فى مقاله «مع طه حسن فى عامه الخامس والسبعين» المنشور فى «يوميات الأخبار» 24 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1964»، والذى يتضمن لقاءه بعميد الأدب العربى، والأسئلة التى طرحها عليه والإجابات التى تلقاها منه، وشملت الحديث عن «لماذا نضبت القرائح؟..وقضية الكتابة باللغة العامية فى الأدب، والعلاقة بين السياسة والأدب، وكتاب «الفتنة الكبرى» والطبقة التى ينتمى إليها.
قال عن نضوب القرائح: «الإحساس وحده لا يكفى لإبداع أدب عميق.. لا بد من الثقافة.. السر هو الانخفاض العام فى مستوى الثقافة».. سأله «عاشور»: «هل لوسائل التعبير الحديثة دخل فى ذلك؟».. أجاب: «قطعا، لقد اطمأن الناس للراديو والسينما والتليفزيون والصحف، وهذا يستغرق أكثر وقتهم، وهذه الأدوات الجديدة أثرت على المستوى الثقافى، وشغلت الناس على التفرغ للقراءة والبحث.. أذكر أنه فى أول العهد بالسينما والراديو، ارتاع الكاتب الفرنسى «جورج ديهاميل» وخاف على الكتاب، فانبرى فى كتابه «دفاع عن الأدب» يدلل على مغبة وجود مثل هذه الأدوات وتأثيرها على المستوى العام للثقافة، لكن الأدباء تغلبوا عليها فى فرنسا وإنجلترا، وأخذوا من الوقت الضائع ما يكفيهم للكتابة العميقة، وزاد ذلك من اهتمام العلماء أكثر فأكثر بالعلم كعلم».
أما رأيه فى اللغة العامية والكتابة فى ألوان الإبداع المختلفة فقال فيه: «لن يكون للغة العامية فى الأدب الدرامى نصيب كبير، ادرسوا الأدب العربى أولا، وابعدوا عن استعمال لغة الصحافة فى الكتابة الأدبية».. سأله عاشور: «هناك من يرى أن أدبك يعتبر نقطة بدء دراسة الأدب العربى قديمه وحديثه»؟..أجاب وهو يهز رأسه: «العفو.. العفو.. أظن أن السبب يرجع أصلا إلى سهولة ترجمة بعض كتبى إلى غير اللغة العربية أو إمكان ترجمتها، على عكس العقاد فقد كان أسلوبه يخلق الصعوبة أمام المترجمين، وأذكر أن هناك من حاولوا ترجمة كتابه عن الإمام محمد عبده، وأظن أن ذلك كان فى لبنان فوجدوا صعوبة فى نقله إلى اللغة الفرنسية».
قال له «عاشور»: «يقال إن كتابك «الفتنة الكبرى» من أعمق ما كتب عن التاريخ الإسلامى فى حقبة الخلفاء الراشدين».. رد: «أنا شخصيا أعتز بهذا الكتاب، وأتمنى أن أتم كتابة الجزء الثالث منه.. فالواقع أننى تعمدت الكتابة عن عثمان «رضى الله عنه» لأن أحدا لم يكتب عنه إلا العقاد فيما بعد.. وكان الدكتور محمد حسين هيكل «باشا» - رحمه الله - قد شرع فى الكتابة عن نفس الحقبة، ولكنه لم يتم كتابه، أتمه من بعده وأهدى إلى نسخة منه، جمال الدين سرور».
قال عاشور: «معظم الإطراء يقع على كتابك فى الشعر الجاهلى والمذهب الذى اتبعته فى دراستك للأدب الجاهلى».. رد: «لقد عانيت الكثير من هذه الناحية، أقصد من ناحية وضع منهاج لدراسة الشعر الجاهلى خاصة، والأدب الجاهلى على وجه العموم، وهذا المنهاج أصبح يعرف اليوم المذهب الطبيعى للدراسات الكلاسيكية العربية».
قال «عاشور»: «إن قصة حياة طه حسين هى قصة المجتمع المصرى فى النصف الأول من القرن العشرين».. رد: «هذا كثير، إنها قصة حياة الطبقة التى خرجت منها ، قصة حياة الطبقة الوسطى فقط، أما المجتمع كله فلحياته قصص كثيرة.. أنا ابن طبقتى، وحتى لو أتممت الجزء الثالث من الأيام، هى نفس القصة».
وقبل أن يطوى نعمان عاشور أوراقه وينصرف، سأله عن الجيل الجديد من الأدباء.. أجاب: «ليس بينهم من يعوض العقاد، أو هيكل «باشا» أو المازنى..أبدا.. أبدا.. لقد كانوا يثقفون أنفسهم جيدا، وأظهر مثل هو العقاد، لم يتعلم فى المدارس ولكنه علم نفسه فأحسن تعليمها».