صحيح أن حفل افتتاح طريق الكباش أثار انبهارا وإعجابا وإشادة من جهات عديدة فى العالم، لكنه أيضا وجد متابعة وانبهارا من المصريين، الذين عبروا عن هذا الإعجاب بإعادة نشر الصور والفيديوهات، كأنهم وجدوا إعادة إحياء لهذه الاحتفالات التى كانت تجرى فى مصر القديمة، الأغانى والألحان بعثت الأجداد باحتفالاتهم وترانيمهم وموسيقاهم وطقوسهم، وكلمات احتفالية تحمل رسائل واضحة إلى العالم عن هؤلاء الذين صنعوا حضارة تستعصى على النسيان، تقف حاملة الرسائل ذاتها، وبعد موكب المومياوات، يعيد طريق الكباش أكبر متحف مفتوح فى العالم، ليقدم الرسالة نفسها، فيما يبدو أن استمرار هذه الآثار على مر العصور، رسالة أبدية تحمل أسرار حضارة المصرى القديم بكل ما قدمه للبشرية من أفكار وعلوم وقوانين وأخلاق، وضمير ما يزال قادرا على صناعة وعى عالمى.
ومن الواضح أن إصرار الرئيس عبدالفتاح السيسى والدولة على إحياء هذه المواكب والطرق، وإقامة متحف كبير والتوسع فى حفظ وصيانة الآثار بعصورها المختلفة والمتراكمة، هو جزء من رفع الستار عن أسرار مصرية لا تزال قادرة على الفعل والتأثير فى العالم حتى الآن، صحيح أن هناك انبهارا عالميا، لكن التلقى من مصر يشير إلى أنه بالرغم من تأثيرات وتفاعلات لعقود من التراجع، أو محاولة طمس الهوية المصرية والثقافة التى تعبر عنها وتعيش تحت جلد المصريين، لم تنجح، وأن المصرى القديم يتواصل مع أحفاده بقوة، ومن خلال إعادة بعث الموسيقى والكلمات والأجزاء الاحتفالية للمصريين بالفيضان، وما زال النيل قائما، وشاهدا على كل ما مر بمصر من أحداث ومراحل، وكأن المصريين يعيدون تشييد حضارتهم فى دورات مستمرة.
بالطبع فإن الانبهار العالمى، والإشادات تعنى أن رسالة مصر تصل للعالم، وأن هذه الرسائل تعنى المزيد من التدفقات السياحية، والتى تترجم إلى دخل وفرص عمل، لكنها تعنى أيضا تفهما لرسالة مصر المعاصرة الحديثة، بأنها تحمل رسائل الأجداد، وتحرص على أن تعيد بناء حضارتها بقوانين حديثة، وبروح المصريين القدماء، حيث يتم الإنفاق على تجديد وصيانة الآثار، وفتح الطرقات منها وإليها، وتسهيل الوصول لها، وكل هذا يضاعف من التفاعل والإقبال للبحث عما تحمله هذه المبانى من رسائل لا تزال قابلة للإرسال.
فقد تابع مئات الملايين، فى قارات العالم، حفل افتتاح طريق الكباش، عبر شاشات الفضائيات، وصفحات السوشيال ميديا، واعتبرته صحف أوروبية أنه افتتاح مبهر لأكبر المتاحف على الكوكب، وأقدم الممرات التاريخية منذ قرون، يعود عمره لما يزيد على 3 آلاف عام يربط معبد الأقصر بمعبد الكرنك على امتداد نحو 2700 متر، وهو ممر كان يستخدم كطريق موكب للآلهة قبل 3000 عام، ويمر بين أكثر من 1050 تمثالًا لأبى الهول والكباش التى تربط معابد الكرنك فى الشمال بالأقصر فى الجنوب، إحياء لمهرجان «أوبت» الذى يقام فى الشهر الثانى من مواسم فيضان النيل، هذا فى الماضى بينما الاحتفال يعيد صور الكهنة والقوارب مع صور آلهة آمون رع، مع تماثيل أبى الهول والكباش، وهو ما أعاد بالفعل إحياء روح المهرجان القديم بروح القرن الحالى، الحفل - مثل «موكب المومياوات» - كشف عن كنوز أخرى غير الآثار، كنوز فرق موسيقية حقيقية، ونجوم غناء وعزف غير مشهورين لكنهم مبهرون، نجحوا فى إعادة روح القدماء، وهو أمر مهم، ودليل على أن الفن الجيد وروحه أقوى من أى محاولات للطمس والتلاعب.
هذا الاحتفال مثل «موكب المومياوات»، له رسائل مباشرة سياسية واقتصادية، سياحية وأثرية، لكنه يبدو جزءا من رسائل مصر الدولة للجميع.