مع دقات الساعة الثانية عشر ظهرا وعلى مدار العام وليس فى الشهر الكريم فقط، يهرول أطفال غالباً ما يكونوا حفاة، ونساء حاملين "أكواب وأوانى من النحاس" يصطفون فى صف من أجل الحصول على كبشة فول صغيرة "ببلاش" تكون غذاء لأسرة كاملة على مدار العام، وبمثابة وجبة إفطار وسحور لذات الأسرة فى شهر رمضان المبارك.
اسمها هو انعكاس لحال أهلها، إنها الفقيرة إحدى القرية التابعة لمركز ببا، جنوب محافظة بنى سويف، على الجانب الشرقى من النيل، يسكن أهلها بيوت من الطين أو الحجر ومقابر قرى المركز تحيط منازلها من كل الجهات.
أم عبد الناصر حسين، سيدة لا تتعدى الأربعين عاماً، إلا أن هموم الدنيا جعلت منها سيدة عجوز، وقفت أمام غرفة صغيرة مع أطفال ونساء آخريات تنتظر دورها من أجل الحصول على وجبتها من الفول المدمس.
طوابير من أجل الحصول على الفول
تحدثت أم عبد الناصر لـ"انفراد" إحنا كل يوم على هذا الحال، الناس هنا غلابة خالص، مفيش حد شغال شغلانة حكومية، الرجال والأطفال بيخرجوا على باب الله، يعملون فى الحقول باليومية، يوم آه ويوم لأ، وربنا رزقنا بالناس دى كل يوم يوفرولنا وجبة من الوجبات الثلاث، وفى رمضان بيكون فطار وسحور".
وداخل الغرفة الصغيرة وقفت الست حنان، توزع الفول المدمس للأهالى، وهى تبتسم عند سؤالنا لها عن سعر تلك الكبشة التى يتم توزيعها للأهالى.
الفول يوزع مجانا على الأهالى
وقالت السيدة حنان "فلوس، هى الكبشة دى لو بفلوس، كانت الناس انتظرتها، هيجيبوا فلوس منين، أغلب أهالى القرية من الفقراء، مش أغلبهم دول كلهم، والفقر معناه إنك متقدرش توفر، قوت يوم، وأكل وشرب عيالك، سيبك من لبسهم، وعلاجهم، المهم الأكل والشرب، عشان الناس تعيش، الفول ده بيبعتوه ناس بتعمل خير من السويس".
الأهالى يطالبون بإنشاء وحدة صحية
وأضافت حنان، أن أكبر مشكلة تعانى منها القرية هى عدم وجود وحدة صحية "مستشفى قروى"، حيث إن أقرب مستشفى قروى من قريتهم تزيد عن عشرات الكيلو مترات، وهو ما يسبب لهم مشكلة وخاصة فى فترة المساء.
متابعة "لو حد تعب، هيموت مكانه، يعنى هنوديه فين.، مفيش معديات بتعدى النيل فى الليل، وعشان، ننقله لمستشفى بنى سويف، العربية هتاخذ أكثر من 100 جنيه، وهو لو كان معاه الميه جنيه كان هيتعب؟".
الأهالى: لا نريد صدقات بل نريد صحة
وقتها تعالت نبرات السيدات اللاتى يقفن من أجل الحصول على وجبة الفول قائلين "يا أستاذ احنا مش عايزين فلوس، مش عايزين، أكل وشرب، احنا عايزين صحة، مكان المستشفى القروى موجود، بس عشان احنا غلابة ومش متعلمين، أهالى القرية المجاورة لنا، بيجروا على إنهاء إجراءات بناء المستشفى قبلنا، مع أن المكان المخصص للمستشفى موجود فى القرية منذ قديم الزمن.
فلاح: القرية معدومة الخدمات
ويقول عاشور محمد محمد من أهالى القرية إن القرية تعانى من نقص تام فى الخدمات، فلا يوجد مستشفى قروى وهو الشغل الشاغل لأهالى القرية، بالإضافة إلى عدم وجود مركز شباب، أو أى خدمات جماهيرية، متابعا "كل الخدمات لا قيمية لها بالنسبة للأهالى الذين يحتاجون إلى المستشفى القروى.
التلاميذ: نعيش مع الموتى فى مكان واحد
محمود عاشور محمد طالب فى الصف الثالث الابتدائى، أخذنا إلى مكان مدرسة الموجودة على الطريق، مشيرا بإصبعة إلى المقابر المحيطة بالمدرسة من كافة الجوانب، مبتسما وهو يقول "احنا بقى بنتعلم هنا، بنكون قاعدين فى الفصل، ونسمع صراخ السيدات، فننظر من شباك الفصل، ونشاهد الأهالى وهم يدفنون الموتى، أمام أعيننا ".
وأضاف أن تلاميذ المدرسة تعودوا على هذه المشاهد المعتادة يوميا، لكن الكثير منهم ينتابه البكاء عندما يشاهد ويسمع صرخات المشيعين، بس كل ده مش مهم، المهم وجودنا فى المقابر، بينقل لينا أمراض، يبقى لازم يكون فيه وحدة صحية أو مستشفى قروى للعلاج ".