فى حفل افتتاح طريق الكباش، وقبله موكب المومياوات، ظهر تأثير الموسيقى والفنون البصرية، وحقق إعجابا خارجيا لكن الإعجاب الأكبر كان من الجمهور المصرى، خاصة بين الشباب والأجيال المختلفة، ويظهر هذا من كم التفاعل وعمليات البحث عن أسماء وأصول الأغنيات وتاريخها، سواء فيما يتعلق بالمزج الموسيقى بين الشرقى والفرعونى، أو التفاعل مع الأغنيات المعاصرة، والتى يعاد توزيع موسيقاها بروح حداثية.
ونتصور أن هذا التفاعل يمكن أن ينتج أشكالا من الفنون الموسيقية، خاصة مع إحياء الأشكال الشعبية لفرق التشكيل والرقص، مثل فرقة رضا أو الموسيقى العربية والأوركسترا، كأننا نعيد اكتشاف موسيقانا، ونشعر بدهشة من أن تكون كل هذه الموسيقى والفنون متاحة فى معاهد وفى الأوبرا والفرق، بينما ما نزال نشهد جدلا عقيما حول كون المهرجانات تعبيرا عما يفترض أنه إبداع، بكل ما تحمله بعضها من ابتذال وضجيج عشوائى، وهى أنواع لها مكانها، لكنها لا يمكن أن تكون هى الأصل الذى يجب الدفاع عنه وترويجه.
فقد لمعت منذ موكب المومياوات، أسماء لمبدعين كبار، مثل الموسيقار نادر عباسى أو مطربين وفنانين مثل عز الأسطول الذى قدم أنشودة آمون بصوت أوبرالى، وهو أساسًا مغنى راب، وهند الراوى التى غنت «أحلى بلاد الدنيا بلادى»، ووائل الفشنى الذى غنى «الأقصر بلدنا» بتوزيع أوكسترالى للمايسترو نادر عباسى، وهو المسؤول عن الموسيقى الخاصة بالموكب، ويقود أوركسترا الاتحاد الفلهارمونى مع الكورال، 160 عازفا إيقاعيا عزفت «آمون» بالمصرى القديم، ونصوص مأخوذة من جدران المعابد، وهو أيضًا مؤلف الموسيقى مع أحمد الموجى.
هند الراوى معروفة بالخارج، رغم أن أغانيها من الفلكلور، وقد استمع إليها من تابعوا المسلسل الفرنسى «مارسيليا» وغنت أغنية التتر باللغة العربية، وهى من الأصوات اللافتة، والتى تابعها المشاهدون، وهى وغيرها أصبحوا من بين عناصر البحث، وربما تكون هذه فرصة لاكتشاف عناصر يمكن أن تكون وجبات فنية، ويكفى النظر إلى حجم التفاعل مع حفلات الموسيقى العربية والأوبرا، لنعرف أن ما تم فى احتفالية طريق الكباش وقبله موكب المومياوات، أو مهرجانات الموسيقى، أن هناك فرصة لأن تظهر هذه العناصر بما تستحق، وأن يتم فتح الباب لهذه الموسيقى، فى مهرجانات وحفلات، وأيضًا قنوات التواصل الحديثة، بشكل يجعلها قابلة للتداول، فى يوتيوب ومواقع التواصل وغيرها، وبشكل يمنحها القدرة على الظهور والوصول للمتابعين، حتى يمكن وقتها الحكم عما إذا كان الجمهور يريد هذا أم أن السيادة لأغان يصعب على من يدافعون عنها أن يذكروا أسماءها أو حتى يرددوها فى مداخلاتهم، لأنهم يخلطون بين ما هو حقيقة وفنى، وبين ما هو جزء من استهلاك لمناسبات أو فى قنوات خاصة. لأن حجة أن الجمهور عاوز كدة، هى حجة رددها ويدافع عنها دائمًا أنصار سينما المقاولات ومع هذا أثبتت فشلها، أمام تراث السينما والدراما الإبداعى الذى يعيش بينما تختفى هذه الموضة.
وربما تكون أهم خطوات تقديم محتوى فنى جذاب لا يتنافى مع كونه خاليا من الابتذال، وفى ظل تدفق من كل الجهات لأنواع من الدراما والمنصات الخارجية والحرة، فإن المنع ربما لا يكون الحل، لكن تقديم محتوى مستمر ومتنوع من الفنون، المسرح السينما الدراما الموسيقى والغناء وإحياء تجارب فرقة رضا وفرق الفنون الشعبية، بشكل يتفاعل مع التقدم التقنى والفنى.
هناك حاجة للاستفادة من زخم الأشكال الموسيقية فى حفل افتتاح طريق الكباش أو المومياوات أو مهرجانات الموسيقى والمسرح، لإطلاق طاقات المبدعين، حتى يمكنهم التعبير عن مشروع ثقافى، يناسب ما يتحقق من خطوات، فالحل هو إنتاج إبداع، يمكنه الانتشار والصمود فى عصر شديد التعقيد، ولدينا ما يكفى لحل هذه المعادلة.