أصدرت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، حكمًا قضائيا بقبول الطعن المقام من رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، ووزير الزراعة، ووزير الموارد المائية، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا برفض الدعوى، وألزمت الشركة الكويتية للتنمية والاستثمار ومن بعدها ( شركة إيجيبت جلف للتنمية والاستثمار) المصروفات عن درجتى التقاضى.
صدر الحكم برئاسة المستشار أحمد محمد حامد محمد حامد - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين : عبدالفتاح آمين عوض الله الجزار، وجمال رمضان عبدالغنى عبدربه، وأسامه محمد أحمد حسنين، والدكتور جمال محمد إبراهيم البلقاسى - نواب رئيس مجلس الدولة.
وترجع خليفة القضية إلى زعم الشركة المصرية الكويتية للتنمية والاستثمار ( إيجيبت جلف) تملكها مساحة 26 ألف فدان بموجب عقد البيع المحرر بينها وبين الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بتاريخ 16/2/2002 بواقع 200جنيه للفدان، إلا أن الشركة خالفت شروط التعاقد، مما دعا هيئة التعمير إلى فسخ العقد بتاريخ 26/2/2011، فطعنت الشركة على قرار فسخ العقد وتحصلت على حكم لصالحها من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة فى الدعوى رقم 38227لسنة 65ق. بجلسة 30/8/2018، مما حدا بهيئة قضايا الدولة إلى الطعن على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 3984لسنة 65ق. عليا، والتى قضت بجلسة 23نوفمبر 2021 بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض دعوى الشركة.
وبهذا الحكم تكون الدولة قد استردت مساحة 26000 فدان بمنطقة العياط - محافظة الجيزة - من الشركة، حيث تأكد سلامة وصحة ومشروعية قرار هيئة التعمير بفسخ العقد الصادر فى 26/2/2011 ومخالفة الشركة بنود العقد المبرم معها.
وشيدت المحكمة الإدارية العليا، قضائها تأسيسًا على أن بتاريخ 16/2/2002 تم إبرام عقد بيع ابتدائى مع حفظ حق الامتياز لأرض صحراوية بقصد الاستصلاح والاستزراع بين كل من: 1- الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية "طرف أول بائع".2- الشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الأراضى "طرف ثان مُشتري"، بموجبه باعت الهيئة إلى الشركة قطعة أرض صحراوية مساحتها (- ر 000ر26) فدن داخل وخارج ال 2 كم خارج الزمام بناحية طهما مركز العياط - مُحافظة الجيزة، وذلك نظير مبلغ (200) جُنيه للفدان، وقد تضمن البند الرابع من العقد التزام الطرف الثانى بتنفيذ أعمال البنية الأساسية للمساحة المدرجة له (آبار- استصلاح داخلى - كهرباء - طُرق)، والمقصود بالاستصلاح هو تحويل الأرض إلى أرض قابلة للاستزراع، كما تضمن البند الخامس أنه لا يجوز للطرف الثانى أن يتصرف بالبيع فى الأراضى المُخصصة له أو أى جزء منها للغير إلا بعد سداد إجمالى الثمن، وبعد الانتهاء من كافة خطوات الاستصلاح وإعداد الأرض للزراعة وتوفير كافة البنية الأساسية على حسابه وبتمويله الخاص، على أن يتعهد بالانتهاء من أعمال الاستصلاح لكافة المساحة المُباعة طبقًا لدراسة الجدوى المُقدمة منه والموافق عليها من الهيئة وبعد توصيل المياه من الترعة الرئيسية لبداية الأرض، ويُعتبر العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه فى حالة عدم الالتزام بهذه الشُروط، كما تضمن البند السابع تعهد الطرف الثانى بعدم استخدام الأرض المبيعة فى غير الغرض المُخصصة من أجله، وكذلك يلتزم بالمٌحافظة على ما قد يوجد بالأرض من مناجم ومحاجر وثروات معدنية أو بترولية وما تحتويه من آثار أو تراث تاريخى وفقًا للقوانين والنُظم المعمول بها.
ولما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق الشركة المطعون ضدها قد أخلت بالإلتزامات المنوط بها تنفيذها بالعقد المبرم معها بتاريخ 16/2/2002، وعقدت العزم وبيتت النية على مُخالفته وهو لا يزال فى مهده ولم يبلغ أشده، إذ أنه لم يثبت من الأوراق قيامها - باستصلاح كامل الأرض وإعدادها للزراعة وتوفير كافة البنية الأساسية لها قبل التصرف فيها، وإنما قامت بالترويج لبيعها وأغلبه خارج البلاد، ثم قامت ببيع مساحات مُختلفة، وذكرت المحكمة فى أسباب حكمها - على سبيل الماثل وليس الحصر- خمس عشرة حالة بيع للغير، بل وتضمن عقد البيع المؤرخ 22/12/2009، والذى بموجبه باعت للسيد / أحمد محمد عبد السلام صديق مساحة
( -، -، 50ف)، فى البند الرابع منه أن الشركة ستشرع خلال سنتين من التعاقد فى تحويل الأرض من أرض مُستصلحة زراعية إلى أرض سكنية، وأنه فى حالة تحويل الأرض كذلك فإن الطرف الثانى يقبل أن يسدد للطرف الأول مبلغًا مقداره تسعة دنانير كويتية أو ما يُعادله بالعُملة المصرية عن كل متر مربع من مساحة الأرض محل النزاع.
وأضافت المحكمة فى حكمها، بأنه يتضح مما تقدم وبيقين لا يُخالطه الشك أن الشركة المطعون ضدها قد أخلت إخلالًا جسيمًا ببنود العقد المُبرم معها، والذى حظر عليها التصرف بالبيع للأرض محله أو جُزء منها للغير إلا بعد الانتهاء من كافة خطوات الاستصلاح وإعداد الأرض للزراعة، وتوفير كافة البنية الأساسية على حسابها، ولم تكتف الشركة بذلك، بل شرعت فى استغلال الأرض فى غير الغرض المخصصة من أجله، وذلك بأن قامت بالشروع فى إنشاء شبكة صرف صحى بالموقع ومحطة معالجة لمياه الشرب ذات سعة كبيرة، مما يؤكد استغلال المنطقة كنشاط سكنى دون النشاط الزراعى ، كما قامت بوضع علامات إرشادية بأسماء ملاك الأراضى مما يدل على تسويقها وتجزئتها كنشاط سكنى قبل الشروع فى أعمال الاستصلاح، فضلًا عن تعدى الشركة على مساحات أراضى أخرى منها مساحة (119 ف) تابعة للآثار، وذلك على ما يبين من مذكرة هيئة الرقابة الإدارية المرسلة إلى نيابة شمال الجيزة الكلية المودعة رفق حافظة مستندات الجهة الطاعنة المقدمة أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 7/4/2021، كما قامت الشركة بمُخاطبة وزير الزراعة بتاريخ 10/8/2009 بطلب الموافقة على إقامة نادى رياضى اجتماعى على مساحة (40 ف) من الأرض، وهى مُخالفات فى مُجملها وتفاصيلها وتنوعها تجعل العقد المبرم مع الشركة بتاريخ 26/2/2002 مفسوخًا من تلقاء نفسه إعمالًا لنص البند الخامس منه، والذى أتت عباراته التى التقت عندها إرادة طرفيه من الصراحة والوضوح بما لا يسوغ معه تأويلها أو الانحراف عنها بما يخرجها من مدلولها، ويضحى قرار الجهة الطاعنة المؤرخ 28/2/2011 المطعون فيه بفسخ هذا العقد قائمًا على السبب المُبرر له ومُتفقًا وصحيح حُكم القانون ولا مطعن عليه.
ولا وجه لما أثارته الشركة المطعون ضدها من أن العقد محل النزاع الذى أقدمت الجهة الطاعنة على فسخه بالقرار المطعون فيه بإرادتها المُنفردة، هو عقد مدنى لا يجوز لها القيام بفسخه بإرادتها المُنفردة، ذلك أن هذا العقد قد توافرت له كل مقومات العقد الإدارى على نحو ما سلف بيانه، بل أن الفقه والقضاء ليتسائل متى يكون العقد إداريًا أن لم يكن هذا العقد كذلك بظروفه ومُلابساته ومحله مساحة شاسعة من أملاك الدولة، والتى هى فى حقيقتها وجوهرها ملك لجموع الشعب والمورد الطبيعى والأساسي، والذى يجب على الدولة الحفاظ عليها وحُسن استغلالها وعدم التفريط فيها، وعدم استنزافها ومُراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها، نزولًا على حُكم المادة (32) من الدستور الحالي، ولما كانت الغاية والهدف الأساسى من إبرام عقد التداعى هو استصلاح واستزراع الأرض محله توفيرًا للغذاء الجيد لجموع الشعب وتحقيقًا للأمن القومى الغذائي، الأمر الذى كان يمتنع معه على الشركة المطعون ضدها التصرف فى الأرض إلا بعد قيامها باستصلاح واستزراع كامل المساحة، حتى تتحقق الغاية من التعاقد ونزولًا على صريح نصوصه التى التقت عندها إرادة طرفيه، وهى من قبل ومن بعد نصوص غير مألوفة فى نطاق القانون الخاص، الأمر الذى يصبغ العقد محل النزاع بصبغة العقد الإدارى فى أسمى صوره.
وحيث إنه فى ضوء ما تقدم جميعه، وقد تبين الرُشد من الغى وحصحص الحق ، فإن الدعوى التى أقامتها الشركة المطعون ضدها بطلب وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار الهيئة المطعون فيه، فيما تضمنه من فسخ العقد المبرم معها بتاريخ 16/2/2002 تكون غير قائمة على سند من القانون يؤازرها، مما يتعين معه والحال كذلك القضاء برفضها، وإذ خالف الحُكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد صدر بالمُخالفة لأحكام عقد التداعى وصحيح حُكم القانون وأخطأ فى تطبيقه، مما يتعين معه الحُكم بإلغائه، والقضاء مُجددًا برفض الدعوى، وإلزام الشركة المطعون ضدها المصروفات عن درجتى التقاضي.