بعد 16 عاماً من رئاسة أنجيلا ميركل للحكومة الألمانية، وصل مشوارها السياسي إلى محطته الأخيرة للانتقال إلى حياة التقاعد، بتصفيق حاد من أعضاء البوندستاج الألمانى مودعين لها، بعد متابعتها أداء المستشار الألمانى أولاف شولتز، للقسم كخليفة لها.
وحتى الآن، ظلت تفاصيل هذه الحياة بعيدة عن الأضواء، وفى أثناء زيارتها إلى واشنطن، سُئلت ميركل عن تصورها لفترة تقاعدها، وعلى الرغم من أنها كانت تستجيب مراوغة فى مناسبات أخرى، إلا أنها كشفت هذه المرة بأنها ستستمتع بأخذ قسط من الراحة ولن تقبل أى دعوات لمناصب سياسية، مضيفة أنه يجب عليها إدراك أن مهامها السابقة "يقوم بها شخص آخر الآن وأن ذلك يعجبها كثيرًا.
وفي وقت فراغها المُستكشف حديثاً، أشارت المستشارة إلى أنها تريد التفكير في "ما يثير اهتمامها حقاً". فقد كان لديها القليل من الوقت للقيام بذلك خلال السنوات الـ16 الماضية، وبابتسامة ماكرة، قالت المستشارة، التي كانت –في وقت طرح السؤال- قد حصلت للتو على الدكتوراه الفخرية من جامعة جونز هوبكنز الأمريكية: "بعذ ذلك، قد أحاول قراءة شيء ما، ثم أغلق عيناي لأنني متعبة، ثم سأنام قليلاً، لنرى بعد ذلك أين سأظهر".
وبصفتها مستشارة اتحادية، تكسب حالياً 25000 يورو شهريا،وبالإضافة إلى ذلك، يحق لها الحصول على ما يزيد قليلاً عن 10000 يورو كعضو في البوندستاج، الذي لاتزال عضواً فيه منذ أكثر من 30 عاماً، وعندما تترك ميركل وظيفتها، ستستمر في البداية في تلقي راتبها لمدة ثلاثة أشهر ثم نصفه لمدة أقصاها 21 شهراً كراتب انتقالى.
وبالنسبة للمعاش التقاعدي اللاحق، سيتم حساب استحقاقات التقاعد المختلفة من عملها كمستشارة ووزيرة وبرلمانية في البوندستاج مع بعضها البعض، حيث تستفيد ميركل من أنها ظلت في الخدمة لفترة طويلة جداً، ويمكن العثور على قواعد الحساب، بدقة تصل إلى خمسة منازل عشرية، فى ما يسمى بـ"القانون الوزاري الاتحادي" لعام 1953، فبعد أربع سنوات على الأقل فى المنصب، يحق للمستشارين الاتحاديين الحصول على 27.74% من رواتبهم السابقة، ومع كل سنة إضافية فى المنصب، يزيد الاستحقاق بنسبة 2.39167 % إلى أن يصل إلى حد أقصى يبلغ 71.75 %.
نتيجة لذلك، يمكن أن تعتمد ميركل على معاش تقاعدي يبلغ حوالى 15000 يورو شهرياً، كما يحق لها الحصول على حماية شخصية وسيارة مع سائق حتى نهاية حياتها، ويضاف إلى ذلك مكتب فى مبنى البوندستاغ فى برلين وبه إدارة مكتب وكيلان مساعدان وكاتب.
وفى نفس السياق سبق لفنان تصويري وآخر كاتب في أدب الجريمة، أن يستشرفا مستقبل ميركل، فقد قام أندرياس موهه بتصوير شخصية تمثل المستشارة في الكثير من الهدوء، وفي أوضاع تظهر فيها وحيدة، وحولها إلى معرض، ومن ناحية أخرى، يفترض الكاتب في أدب الجريمة ديفيد زافيير أن ميركل ستصاب بالملل لدرجة الانفجار بسرعة دون جدول أعمالها المزدحم.
وفي روايته المثيرة للضحك "الآنسة ميركل"، يجعل زافيير "المستشارة السابقة" تشكو من الحياة الريفية الهادئة بعد انتقالها إلى بيتها الحالي المخصص للعطل فى براندنبورج، فقط المشي في الغابات والمرتفعات وتحضير الكعك؟ لا! وبشكل حر، واستناداً إلى روايات "الآنسة ماربل" البريطانية البوليسية التي كتبتها أغاثا كريستى، يتيح زافيير لميركل التعثر بقضية قتل والتحقيق فيها بحماسة.
وكتاب "الآنسة ميركل" فكاهي ينطلق من سؤال له ما يبرره، وهو: هل يمكن لشخص، كان جدوله مخططاً لعقود، من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل، وتحمَّلَ مثل هذه المسؤولية الكبيرة، أن يغادر بين ليلة وضحاها؟ قالت ميركل مؤخراً في برلين: "ما يفتقده المرء عادة، لا يلاحظه غالباً إلا عندما يفقده".
ورغم أن الموظفون الحكوميون السابقون ملزمون بموجب القانون بالحفاظ على السرية، لكن حتى لو لم يُسمح لهم بالمحادثة وتبادل أطراف الحديث كما يحلو لهم، فإنهم يتمتعون بشعبية في قطاع الاقتصاد، كمستشارين بسبب علاقاتهم السياسية المتشعبةإلا أن بعض أسلاف ميركل في المنصب انتقلوا إلى الاقتصاد، فقد أصبح هيلموت شميدت رئيس تحرير صحيفة "دي تسايت" الأسبوعية عام 1982 وكان متحدثاً شهيراً، و في مقابلة عام 2012 قال: "لقد وضعت لنفسي قاعدة بعدم إلقاء محاضرة بأقل من 15000 دولار".
لكن المستشاران السابقان هيلموت كول وغيرهارد شرودر فهما أفضل بكثير من شميدت فى كيفية تحويل ماضيهما السياسي وشهرتهما إلى نقود، فقد أسس كول شركة للاستشارات السياسية والاستراتيجية، وحصل من خلالها على مكاسب جيدة كعضو جماعة ضغط ومستشار.
وأثار جيرهارد شرودر غضباً واسعاً عندما قام في عام 2005، وبعد بضعة أشهر فقط من مغادرته المستشارية، بالعمل في شركة خط أنابيب "نورد ستريم"، وهي شركة تابعة لشركة "غازبروم" الروسية، وكان شرودر قد دعم بناء خط أنابيب الغاز الروسي عندما كان المستشار الاتحادي.
وفي غضون ذلك، يلزم القانون الأعضاء السابقين في الحكومة قبل الانتقال إلى الاقتصاد الاستفسار من المستشارية فيما إذا كانت وظيفتهم (الجديدة) "تؤثر سلباً على المصلحة العامة"،وتنصح لجنة أخلاقيات الحكومة بأن تفرض، في حالة الشك، فترة انتظار تصل إلى 18 شهراً.
ومن المحتمل أنها ستبقى في برلين في الوقت الحالي على الأقل، فزوجها الكيميائي يواخيم زاور (72 عاماً) لا يفكر في ترك برلين، وعلى الرغم من تقاعده من العمل كأستاذ في جامعة هومبولت في برلين، فقد مدد عقده كباحث أول حتى عام 2022.