كانت الساعة الحادية عشرة من صباح 9 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1969، حين جرت أول مواجهة للطيارين المصريين مع طائرات الفانتوم بسلاح الجو الإسرائيلي، والأحدث وقتها فى الترسانة الأمريكية، وتمكن طيار مصرى برتبة ملازم أول من إسقاط طائرة، وتحطمت مشتعلة فى منطقة «رأس مسلة» على الساحل الشرقى لخليج السويس، حسبما تذكر «الأهرام» فى المانشيت الرئيسى لعدد 10 ديسمبر 1969.
جرت المعركة فوق منطقة عين السخنة فى خليج السويس، ووفقا لـ«الأهرام»: «بدأت عندما هاجمت ثمانى طائرات فانتوم المنطقة لضرب محطة رادار مصرية، فتصدت لها على الفور 8 طائرات «ميج 21»، ودارت معركة على ارتفاع خمسة كيلو مترات بين 4 طائرات ميج و4 طائرات فانتوم، بينما اشتبكت 4 طائرات ميج أخرى مع 4 طائرات فانتوم أخرى على أربعة كيلو مترات، وعندما أصيبت الطائرة الفانتوم إصابة مباشرة، انفجرت وهوت مشتعلة لتتحطم على رمال الشاطئ الشرقى عند رأس مسلة، ولم يشاهد قائدا الطائرة، وهما يقفزان منها بالباراشوت»، توضح «الأهرام»: «معروف أن طائرة الفانتوم يتولى قيادتها اثنان من الطيارين»، تؤكد: «على أثر انفجار الطائرة انسحبت بقية الطائرات الفانتوم متجهة إلى ناحية الأرض المحتلة».
تؤكد «الأهرام» أن قيادة السلاح الجوى المصرى تلقت تبليغات من جهات كثيرة أبرزها تبليغ الملازم أول طيار الذى أسقطها، وآخر من قائد السرب الذى شاهدها وهى تتحطم مشتعلة على ساحل الخليج، ثم تبليغ ثالث من قائد قطعة بحرية المصرية فى خليج السويس كان يتابع المعركة بواسطة تليسكوب سحرى، وقدم باسمه واسم طاقم القطعة البحرية التهنئة إلى سلاح الطيران المصرى»، تضيف «الأهرام»: «ذهب اللواء طيار على بغدادي، قائد القوات الجوية» بعد عودة الطيارين إلى قاعدة التشكيل الذى خاض المعركة، واجتمع مع الطيارين، وتحدث معهم لفترة طويلة».
جرت هذه المعركة أثناء حرب الاستنزاف، ولم يصدر بيانها العسكري، إلا بعد التأكد من كل شيء، ويذكر الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية وقتئذ السبب، قائلا: «كان الرئيس عبدالناصر يؤكد عليِ بدقة البلاغات الرسمية التى تصدر عنى فى نتائج العمليات العسكرية عامة، وفى معارك الاشتباكات الجوية بصفة خاصة لدرجة أنه لن يعترف بسقوط طائرة للعدو إلا إذا أحضرت له طيار إسرائيلى، أوجزء من طائرة إسرائيلية محطمة أو صورة جوية مستخرجة من كاميرا احدى طائراتنا المقاتلة، وصورة الطائرة الإسرائيلية فى دائرة التصويب لطائراتنا»، يضيف «فوزي» فى مذكراته «حرب الثلاث سنوات- 1967- 1970»: «لهذه القيود كانت بلاغاتنا العسكرية عن خسائر العدو أقل بكثير من الواقع الفعلي، وكثيرًا ماكانت تصدر عن إسرائيل اعترافات بخسائرها نسمعها فى الإعلام الأجنبى أكثر بكثير مما يرد فى بلاغاتنا الرسمية».
كان اللواء محمد حسنى مبارك رئيسا لأركان حرب القوات الجوية وقتئذ، وفى مذكراته «كلمة السر، يونيو 1967- أكتوبر 1973»، يعتبر هذا المعركة البداية الأولى لنهاية أسطورة الطيران الإسرائيلى الذى لاى قهر.. يؤكد:»فى 9 ديسمبر 1969 وقعت المأساة التى أصابت جنرالات الجو الإسرائيلية بالفزع، حيث تمكنت طائرة مصرية من طراز «ميج» يقودها طيار مصرى شاب من تحقيق المعجزة التى طالما تشدق جنرالات تل أبيب باستحالة وقوعها، وهى أن هذا الشبح الطائر الذى يسمى «الفانتوم» الأمريكية هو طائرة لا تقهر، وفجأة وبلا مقدمات تحقق المستحيل، ونجح الملازم طيار «عاطف» فى إسقاط أول طائرة فانتوم بطائرته الميج».
يؤكد أنها «كانت مواجهة فريدة، يقودها بطل من أبطال السلاح الجوى المصرى هو الرائد طيار «سامح»، الذى دخل هذه المعركة مشبعا بروح الثأر لزميله فى السلاح وصديق عمره النقيب طيار «نور الدين» الذى استشهد بفعل كمين جوى نصبته له المقاتلات الإسرائيلية فى يوليو 1969..يضيف مبارك: «كان معروفا أن إسرائيل انتقت نخبة من أكفأ طياريها للتدريب على قيادة «الفانتوم» الجديدة، لكى يحدث التعادل بين الإمكانيات الفنية للطائرة وبين الخبرة القتالية العميقة للطيار الذى يقودها، ومن هذه الحقيقة المعروفة للجميع وضحت فى رأس الرائد طيار «سامح» الطريقة التى سيثأر بها لصديقه، وكان بين طيارى التشكيل المصرى الملازم طيار «عاطف»، ونفذ البطل «سامح» فكرته الجريئة بسرعة، وعلى الفور أصدر أمره لتلميذه ليأخذ وضع الاستعداد اللازم، ثم قام «سامح» بنفسه وبمعاونة باقى طائرات التشكيل المصرى بالمناورات السريعة المحكمة التى جعلت احدى طائرات الفانتوم فى مرمى نيران الطيار الشاب «عاطف» الذى كان يتلقى توجيهات قائده، وينفذها بدقة يسرت له أن يصيب صيده الثمين».
يؤكد: «كان ذلك اليوم يدق ناقوس إنذار مدوى لإسرائيل بالانتباه إلى الخطر الداهم الذى يعنيه نجاح الطيار المصرى المقاتل فى إسقاط أحدث أنواع الطائرات، وكان إسقاط الملازم طيار «عاطف» للفانتوم بمعاونة وتوجيه قائده الرائد طيار «سامح» الذى قدر له أن يستشهد فيما بعد، ثمرة طبيعية للجهد الشاق والمخلص الذى بذله أفراد سلاح الجو المصرى منذ اجتاز مرحلتى «الصمود» والدفاع النشط» ليدخل فى حرب الاستنزاف».