توفى الشاعر والكاتب كامل الشناوى يوم 30 نوفمبر 1965، فتأخر صديقه الكاتب الصحفى الكبير محمد التابعى عن الكتابة عنه، وفى 11 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1965 كتب مقاله «كامل الشناوى الإنسان الذى انتحر حبا بالحياة»، فى الصفحة الأخيرة بجريدة «أخبار اليوم»، وكشف فيه أسرار كثيرة عن هذا الإنسان النادر.
اختار التابعى ألا يتحدث عن كامل الشناوى الشاعر والكاتب الصحفى الأديب، وإنما تحدث عنه كإنسان عرفه منذ طفولته لأنهما من قرية واحدة هى «نوسا البحر» مركز «أجا» محافظة الدقهلية.. كان التابعى يكبره بثمانى سنوات، ويتذكر أول مرة رآه فيها: «كان فى الساحة الواسعة الواقعة أمام منزل خالتى رحمها الله، وكان زوجها عم والدة كامل الشناوى.. كان كامل يرتدى يومئذ جلبابا، وكان بادى الشقاوة يجرى وراء أطفال يلعبون معه ويوقعهم على الأرض ويضربهم.. وناديته فأقبل على دون تردد وسألنى: انت اسمك كذا؟.. قلت: نعم.. قال: عاوز إيه؟ .. قلت: لماذا تضرب أصدقاءك الأطفال؟.. قال: كيفى كده.. وسكت أنا «وكأنما أدرك هو أن رده على ِغير مقنع.. فقال بعد لحظات: بضربهم عشان بيعاكسونى ويقولوا لى ياتخين».
يؤكد التابعى: «لازمته هذه الشقاوة طول عمره.. فكانت له بعد أن جاوز سن الأربعين شقاوة الأطفال الكبار.. ومن هذه أنه كانت له مقدرة عظيمة على تقليد أصوات بعض من يعرفهم.. ولا أعتقد أنه يوجد أو كان يوجد من يجاريه فى محاكاة الأصوات.. كان يقلد صوت عباس محمود العقاد.. أوالمرحوم حفنى محمود الوزير الأسبق، أو صوت الفريق محمد حيدر «وزير الحربية قبل ثورة 23 يوليو 1952» أو الرئيس الأسبق إبراهيم عبدالهادى، فكان إذا تحدث إليك بالتليفون لا تشك لحظة فى أنه العقاد، أو حفنى محمود، ومن هنا أوقع الكثيرين من أصحابه بشقاوته هذه فى مقالب وسوء فهم وخلافات كثيرة».. يكشف التابعى: «عندى له شريط مسجل يقلد فيه أصوات بعض هؤلاء الكبراء».
يضيف التابعى: «كان كامل وفيا مجاملا إلى أبعد حدود الوفاء والمجاملة.. رقيقا طيب القلب مرهف الحس.. عاتبته مرة لأنه لم يسأل عنى أويستفسر عن صحة ابنى أثناء مرضه الطويل، فقال: أشفقت أن أسمعك تبكى.. أو أراك تبكى فأبكى معك.. وأنا كما تعرف سريع الدمع، وأجزع من العذاب والألم.. كان يحب الحياة، وينهل منها ملء راحتيه.. وبعض ما ينهله كان سما زعافا.. كان يتناول فى اليوم الواحد ثلاثين أو أربعين قدحا من القهوة، ومثل هذا العدد من المشروبات الغازية مثل الكوكاكولا وما أشبه.. وفى اليوم السابق على دخوله المستشفى تناول طعام فطور مكون من خمسة قوالب بطارخ، وهو المريض بالسكر».
قدم التابعى تصحيحا لأخطاء ذكرها زملاؤه عن الفقيد.. يذكر: «قال أحد الزملاء أن والد كامل الشناوى أدخله المدرسة ولكنه لم يلبث أن تركها وخرج يدرس الحياة.. وهذا غير دقيق.. فإن المرحوم الشيخ سيد الشناوى لم يدخل ابنه مدرسة ما.. بل أدخله جامع الأزهر الشريف لكى يتفقه فى أمور الدين ثم يلتحق بمدرسة القضاء الشرعى، ويكون مثل أبيه وعمه، وكانت عندى صورة فوتوغرافية لكامل وهو بالعامة والجبة والقفطان.. وكان يومئذ فى الرابعة أو الخامسة عشرة من عمره.. وضاعت هذه الصورة فى أرشيف «أخبار اليوم».
لم يتزوج كامل الشناوى الذى، ويصحح «التابعى» خطأ أنه لم يفكر فى الزواج من الأصل.. يؤكد، أنه لأول مرة سينشر رواية كان هو طرفها ولا يعرفها كثيرون من أقارب كامل، ففى مايو 1945 كان فى استانبول، وتلقى برقية من شقيقه بأن كامل الشناوى تقدم لخطبة حفيدة شقيقتى وكانت فى السادسة عشرة وبارعة الجمال، رقيقة، خجولة، شديدة الأنفة منطوية على نفسها.. يذكر التابعى: «فكرت فى الأمر نحو ساعة وأبرقت بردى بأننى لا أوافق».
عرف كامل، وبعد فترة وأثناء وجودهما معا فى رأس البر أثناء الصيف، صارحه التابعى بسبب رفضه قائلا له: «انت يا كامل مولع بالسهر طول الليل.. تقوم الليل كله، وتنام النهار كله.. فماذا تفعل زوجتك الشابة طول الليل؟.. وأنت طبعا لن تصحبها معك فى سهراتك هنا وهناك لأنى أعرف أنك غيور جدا ومحافظ جدا، إذن سوف تتركها وحدها فى المنزل.. هل تظن أن هذه الحياة يمكن أن تقبلها فتاة تعرف عن نفسها أنها جميلة ثم هى شديدة الأنفة والحساسية؟.. ماذا تكون نتيجة هذا الزواج؟.. وتزوجت هذه الفتاة بعدها بمحيى الدين الشاذلى، وبعد زواجها بعام أو عامين توفيت بداء الصدر.
يكشف التابعى عن الحب الوحيد الحقيقى فى حياة كامل الشناوى، قائلا: «كان لفنانة معروفة، ونظم فيها وفى حبه كثيرا من الشعر، وكان ينافسه فى حبها المخرج عز الدين ذوالفقار، ومن عجائب تصاريف القدر أن الاثنين- كامل وعز الدين- توفيا فى نفس المستشفى بسبب هبوط فى القلب.. هذه الشابة الفنانة لازمت عزيزنا الحبيب كامل فى أيامه الأخيرة.. وكانت تجلس فى مقعد بجوار سريره فى المستشفى، وكان يرنو إليها فى لحظات صحوه بعينين تفيضان حبا وشكرا.. بينما هى كانت تغالب الدمع وتحاول الابتسام لكى تدخل على نفسه الطمأنينة والأمان».