منيت القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة بموجات متطورة من العنف الذى اتخذ العديد من الأشكال، وكان أخطرها الإرهاب العابر للحدود، مما أسهم فى تفاقم التحديات والتهديدات التى باتت شعوب الدول الإفريقية والحكومات تواجهها وخاصة فى ظل انتشار هذه الظاهرة التى لم يسلم إقليم من إفريقيا من وجودها، فتحولت أجزاء واسعة من أراضى القارة الإفريقية إلى ملاذات آمنة تحتضن العناصر الإرهابية وساحات لتدريب وعمليات هذه الجماعات.
ووفقا لبحث عن مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية، للدكتورة أميرة محمد عبد الحليم، بشأن ظاهرة الإرهاب التى شهدتها فى إفريقيا خلال السنوات الـ 10 الأخيرة، أصبحت العديد من الجيوش الوطنية فى أفريقيا مستنزفة فى صراعها مع الجماعات الإرهابية التى سيطرت على مناطق شاسعة، واستغلت الأزمات التى تعانيها العديد من الدول على المستويات السياسية والاقتصادية، وكذلك التغيرات المناخية فى اجتذاب السكان وتجنيدهم وتدعيم قوتها.
كما أسهمت حالة الفوضى التى أثارتها الجماعات الإرهابية فى إفريقيا فى تسهيل التدخلات الأجنبية تحت ذرائع مكافحة الإرهاب واستعادة الاستقرار مما كان له تداعيات خطيرة على الدول والمجتمعات الإفريقية.
ووفقا للبحث، شهدت ظاهرة الارهاب تحولات خلال السنوات العشر الأخيرة، منها عوامل محلية منها استمرار أزمات تعانيها الدولة الوطنية فى إفريقيا منذ عقود وأسهمت فى تحول أراضيها لمركز رئيسى لنمو الجماعات الإرهابية، وفى مقدمة هذه الأزمات انتشار الصراعات والجماعات الإرهابية فى مالى التي ظهرت فى إطار الصراع بين الطوارق والحكومة المركزية، وحركة شباب التي استمرت فى الوجود فى ظل تفاقم الصراع الداخلى فى الصومال على الرغم من النجاحات التى حققتها القوات الإفريقية فى الصومال.
وكذلك فشلت الحكومات فى السيطرة على كامل إقليم الدولة، فضلا عن والمكاسب الاقتصادية التى تجتذب بها الجماعات الإرهابية الشباب للانضمام إليها فى ظل الفقر والبطالة التى يعانيها سكان القارة.
أما العوامل الخارجية التى أسهمت فى نمو الجماعات الإرهابية فى القارة فقد جمعت بين العوامل الجغرافية والمكانية وارتباطها بدول الجوار فالقرب من مراكز الصراعات والاضطرابات فى الشرق الأوسط قد أدى إلى انتقال العناصر الإرهابية إلى القارة الإفريقية، والأطماع الدولية فى القارة التى ارتبطت بالبحث عن ذرائع للتدخلات الأجنبية.
هذا بالإضافة إلى تحول أراضى القارة الإفريقية إلى ساحة للصراع والاقتتال بين فروع تنظيمى القاعدة وداعش. يضاف إلى ذلك انتشار الجريمة المنظمة، وخاصة فى منطقة الساحل الإفريقى الذى أسهم فى توفير موارد ذاتية لتمويل الجماعات الإرهابية عبر الاتجار غير المشروع.
وبحسب البحث، أصبح هناك مجموعات مختلفة، ينتمى بعضها إلى تنظيم القاعدة، فى حين تبايع أخرى تنظيم داعش، يضاف إلى ذلك أن مكافحة الإرهاب لا تؤدى إلى القضاء على الجماعات الإرهابية، بل تؤدى إلى إزاحتها من منطقة لأخرى فى الوقت الذى تستغل فيه هذه الجماعات الصراعات الداخلية فى هذه الدولة أو تلك، وخاصة المرتبطة بالتهميش لبعض الجماعات فى تجنيد الأفراد وتبلور جماعات إرهابية جديدة.
تداعيات نمو ظاهرة الإرهاب فى إفريقيا
وبشأن التداعيات التى نتجت عن نمو ظاهرة الإرهاب فى إفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة قالت الدراسة أن أهمها الخسائر البشرية، بالإضافة إلى منع الحكومات من الوصول إلى الموارد الطبيعية فى الدول وكذلك الإضرار بالإنتاج الزراعى، وتراجع الاستثمارات الأجنبية والنمو الاقتصادى.
كما أسهمت الهجمات الإرهابية فى زيادة أعداد النازحين واللاجئين إلى جانب تدمير هذه الجماعات للتراث الإنسانى، وخير دليل على ذلك هدم الجماعات الإرهابية فى مالى الأضرحة والتماثيل التى تعد جزءا من الحضارة الإنسانية.
جهود مكافحة الإرهاب
وحول جهود مكافحة الإرهاب خلال العقد الأخير فى إفريقيا، رأى البحث أنه فى مقدمتها جهود الاتحاد الإفريقى فقد عمل الاتحاد على بناء إستراتيجيات تقوم على أسس متعددة الأطراف لمواجهة الظاهرة. وظهرت مجموعة من المبادرات فى ذلك، إلا أن الخلافات نشبت بين المنظمة القارية وبعض التحالفات مثل مجموعة العمل متعددة الجنسيات فى بحيرة تشاد التى تم تأسيسها فى يناير 2015 لمحاربة بوكو حرام، مما جعل الكثيرين ينظرون إلى إفريقيا بصفتها لا تتحدث بصوت واحد عن الإرهاب.كما تُعد أزمة ميزانية الاتحاد الإفريقى وعدم وفاء أكثر من 40 % من الدول بالتزاماتها فى الميزانية من المشكلات الخطيرة أيضا.
أما جهود القوى الدولية، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا، فإن تدخلها فى القارة لمحاربة الإرهاب لم يبن على أسس موضوعية ترتبط بتحقيق الاستقرار فى القارة لذلك لم يكن من الغريب أن تفشل هذه القوى فى هزيمة الجماعات الإرهابية فى إفريقيا، واليوم تعلن هذه القوى انسحاب قواتها دون أدنى اهتمام بما ستؤول إليه الأوضاع فى المناطق التى تشهد تصاعدا كبيرا لظاهرة الإرهاب.
تشعب الجماعات الارهابية
وتشير التحولات التى شهدتها ظاهرة الارهاب إلى وصول الجماعات الإرهابية وانتشارها فى جميع الأقاليم الإفريقية وخاصة الأقاليم الأربعة جنوب الصحراء. ولم تعد الجماعات الإرهابية الرئيسية فى إفريقيا تنتمى للقاعدة كما عهدناها خلال العقود الماضية بل أصبحت هناك فروع كثيرة لتنظيم (داعش)، كما تميزت الجماعات الإرهابية فى القارة باكتساب مزيد من المرونة التكتيكية. وخلال عامى 2020 و2021 قتل العديد من قادة الجماعات الإرهابية مما ينذر بتحولات مستقبلية خطيرة فى إطار هياكل الجماعات وأهدافها وسيطرتها المكانية.
كما شهدت الأعوام الأخيرة تغير جهات مكافحة الظاهرة مما أدى إلى ارتباك فى إستراتيجيات المواجهة، لاسيما بعد انتشار فيروس (كوفيد- 19) وإضعاف قدرات الدول الإفريقية فى مواجهة الإرهاب.
الحلول
وبشأن الحلول فرأت الدراسة أن أفريقيا بحاجة إلى إعادة صياغة إستراتيجيات جديدة لمكافحة الإرهاب تتفق فيها الدول الإفريقية على تعريف الظاهرة، على أن تعتمد هذه الإستراتيجيات إلى جانب الأدوات العسكرية والأمنية، والعمل على معالجة الأزمات التى تسمح بنمو الجماعات الإرهابية داخل القارة الإفريقية، بحيث لا تتحول أراضى القارة إلى مفرخة للعناصر الإرهابية التى لن تتورع عن هدم أى مقومات للتنمية والتقدم فى أى دولة إفريقية ولن يسلم الجوار العربى وكذلك الأوروبى من تهديداتها.