رجل الأعمال والملياردير الاماراتى ماجد الفطيم والذى وافته المنية اليوم يعد واحد من أهم رجال الأعمال فى الامارات والمنطقة العربية لم يكن يظهر فى الإعلام كثيراً. ولا يعرف عنه الكثير إلا أن شركاته عملاقة وحضورها كبير فى دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وغيرها من البلدان العربية. وتقدر ثروته بنحو 3.8 مليارات دولار. وكان صديقا للشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبى الراحل رحمه الله والذى يوصف بأنه بانى نهضة دبى الحديثة وساهم الفطيم مع الشيخ راشد فى بناء العديد من المشروعات التنموية فى الامارة وفى دولة الامارات بشكل عام. وأعلن بعدها تأسيس واحدة من أشهر مجموعات رجال الأعمال فى منطقة الخليج وهى " مجموعة ماجد الفطيم" فى عام 92 والتى امتلكت العديد من الفنادق ومراكز التسوق التجارية مثل " سيتى سنتر “وفروعه فى الامارات ثم البحرين وعمان والمغرب ومصر ومركز تسوق مول الامارات الذى يعد الاضخم فى المنطقة العربية كما امتلك العديد من العلامات التجارية العالمية مثل " كارفور الفرنسي" و"دالكيا الشرق الأوسط. إضافة إلى التوسع فى تجارة التجزئة والعقارات والسيارات علاوة على 170 متجرًا تقريبًا فى 15 دولة، كما تُقدر ثروته بـ 10.6 مليار دولار.
احتل المرتبة الثالثة ضمن قائمة فوربس الشرق الأوسط للأثرياء العرب للعام 2021 بثروة تقدر بحوالى 3.6 مليار دولار وفى عام 2018 بلغت ثروته 4.6 مليار دولار وفقا لفوربس أيضا نتيجة أعماله فى العقارات والتجزئة
بدأ ماجد الفطيم حياته العملية موظفاً فى بنك عمان، الذى أصبح فيما بعد بنك المشرق، ولم يكن يرغب بالعمل مع أبيه محمد وعمه حمد فى تجارتهما التى كانت معروفة فى النصف الأول من هذا القرن، وتتركز على الأخشاب والأقمشة واللؤلؤ، غير أنه استطاع أن يقنعهما فى بداية الخمسينات باستيراد خمسين سيارة من نوع تويوتا، تم بيعها بأسرع مما توقعا وحققت لهما أرباحاً جيدة، مما دفع حمد ومحمد الفطيم إلى دعم ماجد وإنشاء شركة جديدة بينه وبين ابن عمه عبد الله سميت حينها باسم الوالدين (شركة حمد ومحمد الفطيم)، وسافر ماجد إلى طوكيو فى عام 1955 ليعود ومعه توكيل سيارات تويوتا، الذى بدأ به عمله الخاص وحقق فيه نجاحاً كبيراً لفت إليه الأنظار، وسرعان ما عرف عن ذلك الشاب جده وذكاءه وقدرته على تحمل المسؤولية، حتى أنه كان ضمن أعضاء أول وفد اختاره المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم لتمثيل دبى فى المجلس الوطنى الاتحادي، هذا الوفد الذى كان برئاسة الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم الذى كان ولياً للعهد فى ذلك الوقت، وكان أحمد بن سلطان بن سليم يشغل فيه منصب نائب الرئيس، بينما كان من أعضائه إلى جانب ماجد الفطيم جمعة الماجد
غير أن عالم السياسة لم يكن يغرى ماجد، بل ولا يحب حتى التعامل مع الإجراءات الرسمية وموظفى الدولة، ولذلك أوكل هذه المهمة لابن عمه عبد الله وقد حقق فيها نجاحاً هائلاً خاصة أن حمد الفطيم والد عبد الله كان على علاقة طيبة جداً مع كل من المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان والشيخ راشد بن سعيد، مما ساعد على رواج أعمال الشركة فى بداياتها وخاصة سيارات تويوتا.
اعتمد ماجد الفطيم فى بدايات عمله على عدد قليل من الموظفين، ولم يكن يضيف إلى موظفيه إلا عند الحاجة الماسة، وكان أول موظفيه رجل يثق بأمانته يدعى نظام شاه، ثم أضيف له محاسب سورى شاب اسمه بدر أبو شعر، أصبح فيما بعد مدير الحسابات ثم مديراً مالياً، مع بداية السبعينات قام ماجد الفطيم بعمل أول تنظيم للشركة التى توسعت ولم يعد بوسعه السيطرة عليها بنفس الطريقة، فأحضر من مصر مصطفى عفيفى والذى كان يعمل فى مصر للطيران لمنصب المدير التجاري، وعبد المنعم عبد العظيم لمنصب المدير الإدارى والقانوني، ثم أكمل هذان المديران بالتعاون مع بدر أبو شعر تنظيماً جديداً للشركة نتج عنه جلب أول عدد كبير من الموظفين من الخارج لجميع فروع الشركة، التى كانت قد توسعت وقتها بإضافة توكيل هوندا الذى بدأ بالموتورسيكلات والمولدات ليتسع فى عام 1972 إلى السيارات، فكانت السيارة سيفيك أول إنتاجه، إضافة إلى ذلك كان هناك وكالات أخرى أقل اهمية مثل محركات يانمار البحرية، وجرارات روب روي، وشاحنات هينو، إضافة إلى قسم ضخم لقطع الغيار لخدمة كل هذه المنتجات كان يحتوى فى تلك السنين على خمسة وستين ألف صنف من قطع الغيار.
فى عام 1976 حصل ماجد على توكيل سيارات جديد هو دودج الأمريكي، وكانت دودج قد اتحدت مع كرايزلر، وبدأ إنتاجهما يتوحد، وبما أن وكالة كرايزلر كانت لدى الغرير، ولم تكن تدار بالشكل المطلوب لتأخذ نصيبها من السوق، دخل ماجد فى مفاوضات مع الغرير واشترى توكيل كرايزلر بما لدى الغرير من شاحنات وقطع غيار، وجمع التوكيلين فى شركة جديدة أطلق عليها المشروعات التجارية، ثم ضم إليها فيما بعد توكيل هوندا، وبعد ذلك بعدة سنوات حصل على توكيل فولفو وأنشأ له شركة منفصلة. ومع توسع الأعمال، أجرى ماجد الفطيم فى نهاية عقد السبعينات، تطوراً جديداً فى إدارته، وجلب عدداً من مديرى الشركات الإنكليز، الذين كانوا أكثر خبرة وديناميكية فى إدارة الأعمال الكبيرة، وتم تقسيم الإدارات إلى مراكز ربحية منفصلة، وعين مديراً لكل توكيل، بينما كان توكيل تويوتا هو الوحيد الذى يحظى بمدير لمتابعته، بينما تتبع البقية للمدير التجارى مباشرة، وساعد ذلك على تنشيط الأعمال وإذكاء روح التنافس بين المدراء.
غير أن اعتماد ماجد الفطيم على موظفيه لم يكن كلياً، بل كثيراً ما كان يفاجئهم بتدخل مباشر، حتى اعتادوا أن يتوقعوا منه كل شيء وبالتالى يستعدون لكل احتمال، يقول أحد موظفى قطع الغيار الذى عمل قريباً من ماجد الفطيم فى تلك الأيام، أنه كان يدخل إلى غرفة الكاردكس (بطاقات قطع الغيار) ويبدأ بتقليب البطاقات بشكل عشوائي، ويحدث أن يجد ما يحتاج إلى تعليق أو تعديل فيوجه بذلك، إلا أن الموضوع لا ينتهى هنا، إذ غالباً ما يعود ماجد بعد يوم أو أيام ويتجه لنفس البطاقة ليرى فيما إذا كانت تعليماته قد نفذت أم لا، ويعلق ذلك الموظف "إن لماجد الفطيم ذاكرة أرشيفية". لم يكتف ماجد بالسيارات والمعدات، بل اتجه للإلكترونيات والأدوات المنزلية وسرعان ما استحوذ على أهم الوكالات فى ذلك المجال: ناشيونال وتوشيبا، وتايمكس فى الساعات وغيرها، وسرعان ما اكتشف ماجد أن الأعمال المختلفة يمكن أن تخدم بعضها البعض وأن النجاح فى قطاع سوف يشجع النجاح فى قطاع آخر، وكان التوسع متاحاً والفرص موجودة، إلا أن المهم كان كيفية استغلالها، وكيفية السيطرة على كل الفروع دون فقدان التحكم الذى يريده، ذلك التحكم الذى لا يجيده سوى ماجد الفطيم نفسه، ولذا أنشأ دائرة للرقابة الداخلية لها نفس سلطات الرقابة التى يتمتع بها هو، وهى ليست رقابة مالية فقط، بل مالية إدارية، وكانت هذه الدائرة تتبع له شخصياً دون تدخل من أحد، ونظر إلجميع إلى موظفيها على أنهم جميعاً ماجد الفطيم، هكذا اكتمل لماجد وبشكل طبيعى وتدريجى أسلوب عمل وسياسة، سيطر، راقب، تحكم، توسع.. سيطر، راقب، تحكم، توسع.. وهكذا.
فى أسلوب كهذا يصبح التوسع هدفاً من أهداف العمل، وحتى يستطيع ماجد الفطيم أن يوسع أعماله ويشعبها، وينتهز كل فرصة سانحة لذلك، ومنها على سبيل المثال إنشاؤه شركة للمقاولات عندما فكر ببناء برجه الأول، كان ذلك فى مطلع السبعينات، وكانت مكاتبه الصغيرة فى ميدان جمال عبد الناصر قد ضاقت بموظفيها وفكر ببناء برج قريب من ذلك المكان، إلا أنه لم يعهد به إلى شركة مقاولات بل أحضر مهندساً مصرياً مشهوراً يدعى عصام ويحمل شهادة الدكتوراه فى الهندسة، وجلب عصام بدوره من مصر المهندسين المساعدين ورؤساء الورش المختلفة وأقاموا البرج، وأصبحت هذه النواة فيما بعد شركة الفطيم للمقاولات، وعندما انتهى بناء البرج قرر ماجد الاستفادة من المبالغ الطائلة التى يدفعها كبدلات سكن لموظفيه، فأنشأ الفطيم للعقارات، ضم البرج لأعمالها، وعهد إليها بترتيب إسكان الموظفين.
لم تقف أعمال المقاولات عند ذلك الحد، فعندما حصل ماجد بمساعدة ابن عمه على عقد إنشاء الجانب الجديد من جسر المكتوم، لم يعهد ماجد لشركة مقاولاته غير المتخصصة فى هذا المجال ببناء الجسر، ولم يعتمد على شركة أجنبية بل اتفق مع شركة تارماك البريطانية المعروفة، وأنشأ معها شركة الفطيم تارماك، ثم أضاف أعمال السقالات فأنشأ الفطيم سكافولدنج، وعندما أراد أن يدخل الكومبيوتر إلى أعماله أنشأ شركة الفطيم للكومبيوتر.
لربما كان النشاط الوحيد الذى لا يبدو أن للفطيم ذراعاً قوية فيه هو قطاع البنوك، ولكن الحقيقة غير ذلك، فقد دخل ماجد الفطيم فى قطاع البنوك بطريقة محسوبة، إذ أنه شارك فى عدد من البنوك، وشارك فى إدارتها بالطرق التى تخدم أعماله، لا رغبة فى دخول هذا المعترك، لسببين: أولهما أنه لم يكن يرغب فى الدخول منافساً لعائلة الغرير التى تربطه بها علاقات قوية وحميمة، وثانيهما أن إدارته المالية كانت تعمل بمثابة بنك خاص له بما تديره من أعمال مالية، بل كان فيها ومنذ وقت مبكر قسم لتداول الأسهم والتجارة فيها أنشأه وأداره موظف يعمل فى إدارته المالية اسمه أحمد محيش، منذ السبعينات. بالرغم من هذا التوسع الناجح فى الإمارات، كانت بدايات التوسع خارج الإمارات متعثرة بعض الشيء، إذ لم يكن ماجد قد طور آلية جيدة للتحكم فى الفروع البعيدة، إضافة إلى أن نفوذ المنافسين فى مناطقهم كان شديداً بما لا يستطيع مقاومته، كما حصل فى عمان حين خسر توكيل تويوتا لصالح مجموعة البهوان، مما أدى إلى توجيه اهتمام أكبر لتوكيل هوندا فى كل من عمان وقطر، خاصة أن أداء هذا التوكيل فى كلا البلدين كان ضعيفاً جداً.
مع بداية الانفتاح الذى حصل فى مصر أثناء حكم أنور السادات، ومع وجود عدد من الموظفين المصريين العاملين لدى الفطيم، وخاصة المهندس فتحى جوجو الذى كان رئيساً لشركة إنتاج سيارات رمسيس الحكومية، رأى ماجد أن الوقت قد حان لدخول السوق المصري، واقترب من السادات الذى أعطى له الاذن بالعمل فى السوق المصرى بعد الانفتاح وكان هو اول رجل رجل اعمال عربى يدخل إلى السوق المصرى عقب اتباع سياسة الانفتاح.
وقد كانت خطوة سابقة لأوانها، ذلك أن تغيير القوانين لم يغير كثيراً من الأمور التى سادت فى مصر لأكثر من ثلاثين سنة، وخاصة من ناحية أداء القطاع العام الذى اضطر أن يتشارك معه، حتى يستطيع أن يدخل بتوكيلى تويوتا وهوندا إلى السوق، ومع أن المبيعات كانت نشطة فى أولها خاصة فى مجال الشاحنات الصغيرة، التى طورت شركة جنرال موتورز سوقها هناك بشاحنتها اليابانية (لوف)، إلا أن الأداء لم يكن مرضياً بالشكل المطلوب،
وعودة للتوسع فى الإمارات، التى لم يبق نشاط من أنشطة الأعمال فيها إلا ومد فيه ماجد الفطيم ذراعاً، فالتوكيلات التى كانت النشاط التجارى الوحيد السائد لعقود قد انتهت، أو على الأقل انتهى ما هو مهم منها، سواء كان ذلك فى السيارات أو الإلكترونيات، وجميع السلع المعمرة، فالتفت ماجد الفطيم لقطاع بيع التجزئة، وحتى يستطيع أن يحصل على صفقة جيدة اشترى بعض الأسهم فى شركة كارفور الفرنسية، ثم حصل على أفضل عقد وقعته كارفور مع أى شركة خارج فرنسا، وأسس بناء عليه سلسلة كارفور فى الخليج التى يملك هو خمسة وسبعين بالمئة من أسهمها، بينما تملك كارفور الفرنسية بقية الأسهم، ثم قدحت فكرة بيع التجزئة فكانت فكرة إنشاء مجموعة السيتى سنتر، والتى سيفتتح فرع جديد ضخم لها فى أواخر هذا الشهر سبتمبر، وهى تحتوى على منتجع ثلجي، يضم خمسة منحدرات للتزلج، ويتسع لحوالى ألف وخمسمئة زائر، ومساحات شاسعة للتأجير، إضافة إلى متجر ضخم لكارفور.
مع بداية التسعينات وعند الإعلان عن مشروع فستيفال سيتى حصل خلاف بين ماجد وابن عمه عبد الله، وقسمت الأعمال بالمفاوضات والتراضى وبرعاية الشيخ محمد بن راشد شخصياً، وكانت المجموعة قد أصبحت إمبراطورية تضم أربعين شركة، من بينها الفطيم للسيارات، عمان للإلكترونيات، الفطيم للساعات والمجوهرات، إيكيا وبلج ـ انز للكومبيوتر، العربية الشرقية للتأمين، عمان للتسويق والخدمات، الفطيم العقارية، سيتى سنتر، كارفور هايبرد ماركت، فندق وريزدنس سيتى سنتر، وشركة ماف للخدمات الأمنية.
ليس هذا كل شيء ومن الصعب بل المستحيل متابعة نشاط ماجد الفطيم فى موضوع أو حتى فى كتاب، منذ بداية عمله وحتى خلافه مع ابن عمه عبد الله الفطيم، منذ ثلاث عشرة سنة.