هل كان الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين يختلف الوقائع فى كتابه «محاوراتى مع السادات»؟ جاءت مناسبة هذا السؤال مع الهجوم الذى شنه الكاتب الصحفى موسى صبرى ضد «بهاء الدين» بسبب ما رواه فى كتابه من حكايات «ألقت الضوء المباشر على تفكير الرجل ودوافعه وطريقة نظرته للأشياء والأشخاص»، اتهم موسى، بهاء، بأن «الذاكرة خانته، بل غدرت به»، وذلك فى مقاله «لعن الله الإنفلونزا يا أحمد بهاء الدين»، المنشور فى الصفحتين الأولى والرابعة بجريدة «الأخبار»، 18 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1986.
كان «بهاء الدين» ينشر حلقات كتابه منذ 22 سبتمبر 1986، بواقع حلقتين فى الأسبوع فى صحف عربية، هى «الوطن الكويتية» و«الدستور الأردنية»، و«الشرق الأوسط» اللندنية، و«الخليج الإماراتية»، وكانت مجلة المصور تنشر الحلقتين فى عددها الأسبوعى كل أربعاء، ووصلت الحلقات إلى 26، كان آخرها فى 18 ديسمبر 1986، وهو نفس اليوم الذى بدأ فيه موسى صبرى معركته ضد الكتاب.
كتب «بهاء» محاوراته مع السادات من واقع علاقته به أثناء فترة رئاسته لمصر، وشهدت لقاءات كثيرة بينهما، وحوارات استمرت بالساعات، وكتابة بعض الخطب السياسية، واستدعاؤه أحيانا من الكويت حيث كان يعمل رئيسا لتحرير مجلة «العربى»، وتوقفت هذه العلاقة فى ديسمبر 1977 حتى رحيل السادات فى أكتوبر 1981، وكان موسى صبرى، من الصحفيين المقربين أيضا من السادات وكتب له أيضا خطابات سياسية أشهرها خطابه أمام الكنيست الإسرائيلى 20 نوفمبر 1977، غير أن كل منهما كانت له مواقفه التى تختلف عن الآخر تجاه سياسة السادات، ففيما كان «بهاء» يحتفظ باستقلالية مواقفه فى آرائه، كان موسى مؤيدا لسياساته على طول الخط.
كانت طبيعة علاقتهما بالسادات هى الأساس لمعركتهما على صفحات جريدة الأخبار، ومن المقدمة التى كتبها بهاء لكتابه، التقط موسى ما تصوره مأزقا لمصداقية بهاء، قال بهاء فى هذه المقدمة: «ليس لدى على هذه المحاورات شهود، إلا فى القليل النادر، وليست لدى وثائق إلا أقل وأندر، فأنا أسجل هذه الأحاديث معتمدا على الذاكرة تماما تاركا الحكم عليها للقارئ ورأيه فى أمانة الكاتب ومسؤوليته»، وعلق موسى صبرى على ذلك ساخرا: «الكتاب الذى ينشر على حلقات فى عدد من الصحف العربية، فيه فصول كثيرة، كان يمكن أن يتعرض لها بالتعليق، وربما بتعليق واحد يقول إن الكاتب العزيز اعتمد - كما سجل على نفسه - فى كل ما كتب على ذاكرته فقط، ولكن الذاكرة خانته بل غدرت به، عندما صور الزعيم الراحل وكأنه تلميذ جاهل بالسياسة، منافق مع كل الناس، غبى لا يحفظ الدروس، وكلما أقبل على امتحان، أو سقط فى امتحان، سعى إلى أستاذه أحمد بهاء الدين حيثما كان، يستلهم منه الحكمة والنصيحة والرشد، وكثيرا ما كان الأستاذ يضيق بهذا التلميذ البليد ويستأذن فى الانصراف، ولكن التلميذ يتشبث به أن يبقى»، وفى هذه الأجواء جرت الـ«محاورات مع السادات».
يضيف موسى: «كنت أريد أن أقول لأحمد بهاء الدين: قليلا من التواضع يا أخى يصلح الحوار، ولكنى آثرت الصمت، وأنا أقرأ له فى الشرق الأوسط، كل اثنين، فصلا جديدا، حتى وصل إلى الفصل الخامس والعشرين (قبل الأخير)، وإذا به يتناول واقعة حدثت بينى وبينه، ولم يكن معنا ثالث، وكانت فى غرفة نومه، وهو طريح الفراش بسبب الإنفلونزا».
أعاد موسى - فى مقاله - نشر الواقعة التى ذكرها بهاء، وكانت حول قيام موسى بالاتصال به تليفونيا أكثر من مرة، وكان الرد يأتيه بأنه مريض وبعيد عن التليفون، فتصور أن بهاء يتهرب منه، ففاجأه بالزيارة فى منزله، وفيها قال له إن السادات تحدث معه طويلا عنه، ويريد أن يلقاه، وأن القطيعة بينهما يجب أن تنتهى، ولكن بهاء رفض هذه الدعوة وأصر على الرفض، لأن السادات ألقى خطابا عنيفا هاجم فيه الكتاب المصريين الذين يكتبون فى صحف عربية، ووجه إليهم اتهامات يرفضها بهاء، وهو يصر على الكتابة فى الخارج، ولذلك فإن اللقاء لا جدوى منه، وهكذا سافر موسى صبرى وحده إلى أسوان للقاء السادات وحده، رغم أنه التزم أمامه بأن يحضر ومعه بهاء الدين.
يعلق موسى قائلا: «يؤسفنى أن أسجل، أن الحقيقة لوجه الله والتاريخ، تختلف تماما، عما سطره بهاء، وأنا مضطر أن أروى ما جرى، وكانت أن المرحوم أمين عدلى ،العضو المنتدب السابق لمؤسسة أخبار اليوم، أبلغنى أن بهاء فى القاهرة، وأنه مريض، ويريد رؤيتى، وأقترح أمين عدلى بأن البادئ بالسؤال عنه، وفعلا سألت عنه تليفونيا، وهو الذى رد، واتفقت معه على زيارته فى اليوم التالى، وكانت الزيارة للسؤال عن صحته، ولكن كان من الطبيعى أن نتحدث فى السياسة»؟ فماذا دار فى حديث السياسة بينهما حسب رواية موسى صبرى؟