ذهب الكاتب الصحفى موسى صبرى، إلى منزل زميله أحمد بهاء الدين فى زيارة مفاجئة، وفقا لرواية بهاء، وحسب موعد مسبق، وفقا لرواية موسى.. كان بهاء مريضا بالأنفلونزا، ودار بينهما حديثا فى السياسة رواه «بهاء» فى كتابه «محاوراتى مع السادات»، مؤكدا فيه أنه رفض طلب موسى بالذهاب معه إلى الرئيس السادات فى أسوان، غير أن موسى يروى ما حدث بطريقة مختلفة، متهما «بهاء» بأن «ذاكرته خانته بل غدرت به»، وذلك فى مقاله «لعن الله الأنفلونزا يا أحمد بهاء الدين» بجريدة «الأخبار، 18 ديسمبر 1979، وكان مفتتحا لمعركة دارت بين الاثنين.. «راجع، ذات يوم، 18 ديسمبر 2021».
يضع موسى فى روايته حول هذه الواقعة «بهاء الدين» فى موضع الضعف الذى يصل إلى حد الاستجداء، ما يتناقض مع طبيعة الوقائع التى ذكرها بهاء فى «محاوراتى مع السادات» وكان فيها لا يخفى اعتراضه للرئيس على ما لا يتفق مع قناعاته، لكنه فى نفس الوقت يحفظ مقام الرئيس.. يذكر «موسى» عن «حديث زيارة الأنفلونزا» أن بهاء قال له، إنه لا يجد الآن مبررا لقطيعة السادات له، وغضبه منه، وأنه يعطى السادات كل العذر لغضبه، ويقدر مشاعره الإنسانية، عندما لا يجد قلم أحمد بهاء الدين مناصرا له بعد كامب ديفيد، وأنه فى المقابل لم يهاجم السادات أبدا فى صحف عربية كما فعل غيره، والتزم بذلك تماما، وعلى كل فإن موضوع كامب ديفيد انتهى تماما..لقد انتصر السادات، ووضع جميع القادة العرب أمام الأمر الواقع، وكلهم سوف يتبعونه شاءوا أم يشاءوا».
يضيف «موسى» أن بهاء أخبره بقراره إنهاء أعماله فى الكويت «كان رئيسا لتحرير مجلة العربى الشهرية» رغم حرصهم على استمراره، لأنه من المستحيل أن يبقى طول العمر خارج مصر، كما أن الهدف من سفره تحقق، وأنه استأذن الرئيس فى قبول العمل بالكويت لأنه كان يريد أن يؤمن أسرته ببوليصة تأمين كبيرة، وهذا تحقق والحمد لله..يضيف «موسى» أن بهاء طلب منه بكلمات واضحة لا تحتمل أى لبس، أن يدبر له موعدًا مع الرئيس السادات لكى يشرح له كل شىء.
يواصل «موسى» أنه كان على موعد مع السادات فى اليوم التالى فى أسوان، وكان لقاء عمل خاص بإعداده لخطاب للرئيس لمناسبة لا يتذكرها، وروى للرئيس ما جرى بينه وبين بهاء، وبعد أن استمع الرئيس دون مقاطعة سأله موسى: متى يمكن أن تستقبل أحمد بهاء الدين، إنه فى القاهرة ينتظر تليفونا منى؟.. رد السادات: ألم يقل لك أنه قرر إنهاء أعماله فى الكويت، وأنه سيعود بعد ذلك لإقامة دائمة فى القاهرة.. إذن سأقابله بعد أن يعود وينهى أعماله فى الكويت.. اندهش موسى من إجابة السادات، ودار بينهما حوارا، ذكر فيه للرئيس أن بهاء كاتب معتدل، ووجه مقبول من العرب، ولم يهاجم شخصك كما فعل الآخرون، فرد السادات بصوت عال غاضبا: «كاتب معتدل، ومقبول من العرب ولم يهاجمنى، على راسى، لكن لن أقابله، وامسِك التليفون وقل له ذلك».
يضيف موسى: «تضاعف غضب السادات وهو يقول، بقصد إنهاء الحوار: «اسمع.. أنت تخرجنى عن طبيعتى، ولا يهمنى تأييد كاتب، ولا يهمنى أن يكون بهاء مقبولا أو مرفوضا من العرب.. الذى يهمنى رأيى الشخصى فى أحمد بهاء الدين.. إنه كاتب بلا موقف، دائمًا يمسك العصى من الوسط، وأنا لا بحب الذين يرقصون على السلالم، وعد إليه وأبلغه رأيى بنص كلماتى.. أنا فاهم بهاء أكثر منك.. بهاء لم ينه أعماله فى الكويت كما ذكر لك، هو يريد أن يقابلنى فى القاهرة، لكى يعود إليهم فى الكويت، ويدعى أننى استدعيته، وأننى قلت له، وقال لى.. وهذا يدعم مركزه فى الكويت، فهو الكاتب الذى نسعى إليه من القاهرة، لكنه يفضل البقاء فى الكويت.. اسمع يا موسى.. أنا تعبت من الحركات دى».
يذكر «موسى» أن المهندس عثمان أحمد عثمان كان موجودا، وحاول تخفيف حدة الموقف، لكن السادات كان فى حالة من حالات عناده التى لا تجدى معها المناقشة.. يضيف «موسى» أنه اقترح حلا وسطا بأن يتصل ببهاء ويقول له بأسلوبه، إن الرئيس مستعد لاستقبالك وسعيد بذلك، ويرحب بقرار إنهاء أعمالك فى الكويت، وهذا ما كان يتوقعه منك، وسوف يراك يوم عودتك إلى مصر بعد إنهاء أعمالك..يذكر «موسى» أن المهندس عثمان قال: أيوه يا ريس.. كده معقول.. وعلق السادات بغير اكتراث: قولها زى ما أنت عاوز.. لكن أنا مش هقابله.. أنا قرفت من الأساليب دى».
اتصل «موسى» ببهاء فى اليوم الثالث، ووجده فى الكويت، وطلب من زوجته، أن تقول له إن كل شىء يجرى على ما يرام.. يذكر: «عدت إلى القاهرة، واتصلت ببهاء فى الكويت، وقلت له إن الرئيس يرحب بلقائك بعد انتهاء أعمالك فى الكويت، وعودتك إلى القاهرة، وأن الرئيس سعيد بذلك».
فند «بهاء» رواية «موسى» فى رده يوم 21 ديسمبر 1986.