لا تمر مناسبة إلا ويختار حاكما دولتى قطر وتركيا أن يجددا موقفهما العدائى من مصر وشعبها، خاصة بعد 30 يونيو 2013 التى أطاحت بنظام حكم جماعة الاخوان ورئيسها المعزول محمد مرسى، والتى كان آخرها البيانات الرسمية الصادرة من وزارة خارجية البلدين اعتراضًا على الحكم القضائى الصادر ضد مرسى وآخرون فى قضية التخابر مع دولة قطر.
تبديد حلم الخلافة
الدكتور سعيد اللاوندى، خبير العلاقات الدولية يرى أن الاتحاد القائم بين النظامين السياسيين فى كلا من تركيا وقطر هو أمر طبيعى وخاصة بعد أن أوقفت مصر مخطط الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى إعادة عرش الخلافة المفقود، وهو الحلم الذى تجدد مع صعود جماعة الإخوان على سدة الحكم فى كلا من تونس ومصر، واندلاع شرارة الثورة فى كلا من سوريا واليمن وهو الحلم الذى كان يسهل تحقيقه فى حال التمكن من السيطرة على مصر.
ويكمل حالة العداء التى تكنها الدولتين لمصر ليس وليد الحكم القضائى الصادر قبل عدة أيام فى القضية المعروفة إعلاميا بقضية التخابر المتهم فيها الرئيس المعزول محمد مرسى و6 أخرون، ولكنه وليد لحظة الإطاحة بإخوان مرسى من حكم مصر، حيث كان يعتبر الرئيس التركى وصول الإخوان إلى السلطة مرحلة جديدة نحو توطيد مكانة تركيا الإقليمية.
ويضيف "اللاوندى" أنه منذ 30 يونيو 2013 تجمدت أحلام "أردوغان" فى استعادة الخلافة على الوطن العربى بحيث تصبح أنقرة هى عاصمة الدولة التى سيقودها التركى "أردوغان"، وهو التاريخ أيضا الذى تغيرت فيه خريطة التوازنات الإقليمية والسياسية بمنطقة الشرق الأوسط.
العلاقة الندية بين الدولتين بعد عام من التبعية
ومن بين أهم الأسباب التى خلقت حالة العداء والصراع بين النظامين التركى والقطرى من جهة وبين النظام السياسى المصرى الجديد بعد 30 يونيو من جهة أخرى هى استعادة مصر لمكانتها الإقليمية وتخلصها من تبعيتها لهذين النظامين، فبحسب المراقبون فإن مصر وقت حكم الإخوان كانت تسير بخطى ثابتة نحو التبعية الكاملة لهما.
بحسب "اللاوندى" كان صعود جماعة الإخوان لسدة الحكم فى مصر خلال عام 2012 – 2013 بداية لمرحلة توافقية مميزة بين إخوان مصر والرئيس التركى، حيث تطورت العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما إلى أقصى حد، فخلال هذا العام دفع الاتراك 2 مليار دولار ودائع ثنائية للإخوان لرفع الاحتياطى النقدى الأجنبى للبلاد، واستطاع معه ان يتم تحييد الدور المصرى فى الملفات السياسية بالمنطقة فى القضية الفلسطينية والقضية السورية وما ظهر فى الموقف الرسمى للدولة المصرية وقتها فتم قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا و اظهار العداء للرئيس السورى بشار الأسد كما فعل أردوغان تماما.
بعد سقوط الإخوان ساءت العلاقات بين الدولتين لان ما بناه التركى أردوغان انهار مع الأخوان فكانت الدولة المصرية بعد 30 يونيو لها مواقفها الواضحة والبعيدة عن مواقف تركيا فى عدد من الملفات أهمها الموقف من سوريا، والذى ترحب فيه مصر بالمفاوضات بين النظام والمعارضة والمعتدلة، وأيضا الملف الليبى الذى جاء فيه موقف مصر مغايرًا لما تتمناه تركيا التى كانت تدعم المؤتمر الوطنى فى حين أن الدعم المصرى ينصب على الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا والجيش الليبى.
اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان وقبرص بالبحر المتوسط وهو ما يعتبر ضربة قاصمة وجهها النظام السياسى المصرى إلى الرئيس التركى وخاصة ان دولته لها مشكلات عالقة مع اليونان وقبرص منذ زمن بعيد.
حلم زعامة قطر للعالم العربى
لم يكن النظام التركى والرئيس أردوغان هما فقط المتضررين من 30 يونيو وتبعاتها فى مصر ولكن النظام القطرى الذى دعم حكم جماعة الإخوان فى مصر، ووقف ضد مصر بعد 30 يونيو لأنه يعلم أن مصر بحجمها الحقيقى ستعود إلى ممارسة دورها كقوة إقليمية فى المنطقة من جديد وسيهمش من دور القائد والزعيم الذى ظلت بحث عنه الدولة الصغيرة فى منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات وخاصة القضية الفلسطينية، فمن خلالها تواجدت قطر من خلال ملف المصالحة بين حركتى فتح وحماس، ثم احتضان حركة فتح ودعمها، ثم المشاركة فى إعادة اعمار غزة، وهى الملفات التى تعتبر هامة للقاهرة، وبحسب اللاوندى فإن النظام القطرى والتركى تحرشا بالنظام السياسى المصرى لأن وجوده يعرقل من تواجدهما بالملفات الرئيسية بالمنطقة.
تدهور العلاقات الاقتصادية التركية فى مصر
العلاقات السياسية بحسب الدكتور سعيد اللاوندى هى أصل الخلاف بين الدولتين ومصر، إلا ان الحركة الاقتصادية والتجارية تأثرت بشدة بسبب الاحداث السياسية، ومع تصاعد الازمة مع قطع العلاقات، حيث طالب عددا من رجال الأعمال المصريين حظر الاستيراد والتصدير بين مصر وتركيا، وهو ما تمثل فى الانخفاض الواضح لحركة التجارية بين البلدين.
بحسب بيانات البنك المركزى، فإن حجم التبادل التجارى بين تركيا ومصر خلال عام حكم جماعة الاخوان وصل إلى نحو 4.2 مليار دولار، تمثل فيه الصادرات التركية إلى مصر نحو 3.9 مليار دولار مقابل 300 مليون دولار وارداتها من مصر، حيث كانت مصر تستورد 26 % من حجم تجارة تركيا لدول قارة أفريقيا.
وطبقا لنشره البنك المركزى لشهر مايو 2016 فإن حجم التبادل التجارى بين مصر وتركيا قد انخفض بمعدل كبير وصل إلى 27 % حيث تشير إلى أنه خلال الفترة من يوليو حتى ديسمبر من العام المالى 2015- 2016 انخفض إلى 1.3 مليار دولار بعد ان كان 1.8 فى نفس الفترة من العام المالى الماضى 2014 -2015، بالإضافة إلى إلغاء بعض الاتفاقيات الموقعة بين البلدين مثل اتفاقية الرورو، وهو ما يمثل ضغوط داخلية من الشعب التركى على نظام أردوغان الذى وجد ضالته فى إخوان لفتح مصر كسوق تجارى للمنتجات والبضائع التركية.
رفض مصر المصالحة مع الإخوان
وعلى الرغم من وجود الخلاف بين تركيا وقطر من جانب وبين مصر فى الجانب الاخر، إلا أن هناك محاولات دولية لرأب الصدع الحاصل فى العلاقات السياسية لهذه الدول إلا انها باءت بالفشل بسبب عدم رضوخ الدولة المصرية إلى شروط الوسطاء والتى تنقلها عن تركيا وقطر بالإفراج عن قيادات جماعة الإخوان من السجون المصرية والاتجاه إلى إقرار مصالحة سياسية فى الوقت الذى لا تستطيع القيادة المصرية الإقدام على هذا الحل فى ظل العداء بين الشعب المصرى والجماعة التى رفضها المصريون منذ 2013، وهو ما اكده "اللاوندى" قائلاً: إن مصر ترفض المصالحة مع من تلوثت أيديهم بدماء المصريين، وكذلك الذين تآمروا على إسقاط هيبة الدولة المصرية فى المحافل الدولية، وهو ما يعنى رفض الدولة المصرية لأى حوار مع هؤلاء.
أما الدكتور مختار غباشى نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والإستراتيجية، يرى أن وجود حالة الصراع بين تركيا وقطر مع مصر أمر طبيعياً وخاصة فى ظل عدم اعتراف النظامين السياسيين بما حدث فى 30 يونيو و 3 يوليو والتى أطاحت بنظام الإخوان، وعدم قدرتهم على التعاطى مع الاوضاع الجديدة فى المنطقة.