ظل مشروع السد العالى فى مرمى الهجوم لأعداء ثورة 23 يوليو 1952، منذ أن بدأت الحملة ضدها فى سبعينيات القرن الماضى، وكان ذلك نوعا من تصفية الحساب مع الثورة، خاصة من جماعة الإخوان وحزب الوفد، ووصل الأمر بنداء وجهه عمر التلمسانى، مرشد الجماعة، قال فيه: «اهدموا السد قبل فوات الآوان»، ودون أى وازع من ضمير وطنى توجه بدعاء إلى الله فى كتابه «قال الناس ولم أقل فى حكم عبدالناصر»، قائلا: «نسأل الله أن يهيئ لمصر من يكون له من الحزم والحسم ما يقضى به على هذا السد المشؤوم ويهدمه قبل أن تحل بنا أخطاره المحققة الماحقة».
أما حزب الوفد، ففتح صفحات جريدته فى سنوات الثمانينيات من القرن الماضى للهجوم على «السد»، ومع اشتداد الحملة التى شملت أيضا مقالات فى صحف رسمية، أقدم الكاتب الصحفى فيليب جلاب، على إعادة طبع كتابه «هل نهدم السد العالى؟»، بمقدمة جديدة بعد أن صدرت طبعته الأولى عام 1974، مدافعا، وساخرا: «ليت المتعصبين لسردين مصر يشعرون ببعض التعصب لمصر نفسها»، وذلك فى إشارة منه إلى الذين تباكوا على اختفاء السردين بسبب بناء السد العالى.
فى يوم 31 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1985 واصل «حزب الوفد» أكاذيبه فى هذا المجال، بالإضافة إلى هجومه على القطاع العام، وذلك تحت قبة مجلس الشعب «البرلمان»، حيث كان المجلس يعقد جلسته الرابعة لمناقشة خطاب الرئيس مبارك الذى رفع فيه شعار «الصحوة الكبرى»، وخلالها حدثت مواجهة ساخنة مع رئيس المجلس الدكتور رفعت المحجوب، انتهت بانسحاب الكتلة البرلمانية للحزب، حسبما تذكر «الأهرام» فى عدد 1 يناير 1986.
فى هذه الجلسة قال النائب الوفدى علوى حافظ: «النيل هو شريان الحياة، ووصلتنى معلومة أن هناك خطورة من السد العالى، فالنحر يأكل جوانب مجرى النيل، والبحر يأكل شواطئ الدلتا، والمياه الجوفية تتزايد تحت المساكن، وكل هذه أخطار، ومعى صورة لأجهزة الاستشعار عن بعد، تؤكد أن السد العالى بنى خطأ على شرخ فى القشرة الأرضية، أرجو أن تقوم لجنة برلمانية للتحقيق فى هذا من أجل الصحوة الكبرى».
استفز كلام علوى حافظ، النائب محمد عبدالهادى سماحة عن «الحزب الوطنى»، وكان وزيرا للرى من 1978 إلى 1984، فقام بالرد مفندا، قال: «ما قاله الأخ علوى عن السد العالى وآثاره أمر غريب، هو لا يدرى ما قدمه السد لمصر، يقول إن هناك قشرة تهدد السد العالى، وأنا أقول يا سادة، السد العالى لم تتركه حكومة من الحكومات إلا وبحثت قضية النحر الذى لم يبلغ السنتيمترات، أما ما قيل عن السد والهزات والشروخ، فليس ذلك صحيحا، وهناك بيوت دولية من الشرق والغرب جئنا بها وتحاورنا معها، ورصدوا الدراسات وأصررنا على لجنة للتحكيم، والنتيجة أن هذا البناء الضخم أنقذ مصر من جفاف أشد مما عانى منه سيدنا يوسف، إن السد العالى صامد رغم ما يقال».
بعد كلمة «سماحة» علق رئيس المجلس الدكتور رفعت المحجوب: «الصحوة تأتى بالصدق مع النفس، ولولا القطاع العام ما أكل الفقراء، ولولا السد العالى ما أكل الفقراء ولا أكل الأغنياء»، تذكر «الأهرام»، أن «المحجوب» واصل حديثه لكن أصوات عدد من نواب الوفد كانت تقاطعه منهم، علوى حافظ، وعلى سلامة، وسيف الغزالى، قال: «إن باب هذا المجلس قُفل بالسلاسل أمام الشعب قبل الثورة، وأن الديمقراطية كانت تعنى «اطفئ الأنوار يا ماهر»، لولا الثورة ما أتى كثير منا إلى هذا المجلس، إنه بفضل التحول الذى حدث قاد الشعب ثورته وجاء إلى هنا، جئتم أنتم بعد الثورة، وما كان لكثير منكم أن يجىء لولا الثورة، للثورة أخطاء، ولكنها حققت آمال الجماهير، والديمقراطية أنتم أعلم بها، ديمقراطية ما قبل الثورة كانت ديمقراطية حل المجالس، وليعلم الشباب ذلك».
مع سخونة كلام «المحجوب»، ارتفعت أصوات النواب الوفديين، ووقفوا صائحين فى وجه المنصة: لا، لا، نحن لا نسمح بهذا الكلام.. هذا الكلام غير مقبول، ثم انسحبوا من القاعة، وواصل المحجوب كلامه: «كأنهم لا يذكرون، لكن من حق الشباب أن يعرف ما كان جاريا فى عهد ما قبل الثورة، كنا نألم لما كان يجرى من مظالم وحكم فاسد وإقطاع مستبد دعما للحكم الأجنبى والتبعية، لم تكن فى مصر مشروعات يملكها المصريون، كانت مصر مملوكة للأجانب مالا وسلطة، وكنا نشكو ونتألم ولولا الثورة لما كان من حق الشعب أن يألم أو يأتى إلى هذا المجلس، كان لنا حق التصويت بالسياط ولهم حق الحصول على المجالس، أطلعوا شبابكم كيف كانت تحكم مصر.. يحكمها ملك فاسد وأحزاب متعاونة معه، حتى حقوق البشر كانت منكرة».