من المتفق عليه فى الموروث السياسى أن أى توجه خارجى لدولة يجب أن ينطلق من الداخل، لا أن يكون بمثابة رد فعل على سياسات الخارج. من هذه الجزئية أحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى نقلة كبيرة فى سياسة مصر الخارجية، فبعدما باتت لسنوات طويلة كرد فعل لأحداث إقليمية ودولية، باتت اليوم المحرك الرئيسى للعديد من هذه الأحداث، لكن وفق رؤية مصرية واضحة تعتمد فى الأساس مبدأ إطفاء الحرائق، وإيجاد مخارج آمنة للعديد من الأزمات المحيطة بإقليمنا بل وعالمنا، ومن هنا نشطت القاهرة فى طرح رؤاها الداعية للسلام، وإقرار الاستقرار والأمن الأقليمى والدولى.
خلال عام واصلت مصر هذه السياسة واستكملت ما سبق أن بدأته بعد 2014، غير مكتفية فقط بطرح الحلول، وإنما العمل على الأرض مع كل الأطراف المعنية فى كل أزمة أو مشكلة لإيجاد أرضية تستطيع من خلالها تنفيذ هذه الحلول.
الرئيس السيسي ورئيس المجلس الرئاسي الليبي
وخير شاهد على هذه السياسة والاستراتيجية ما قامت ولا تزال تقوم به مصر تجاه قضيتين تعتبران من صميم الأمن القومى المصرى، وهما ليبيا وفلسطين، ففى المسألة الليبية، رفعت القاهرة شعار «السلام والأمن والاستقرار لكل الليبيين»، وتحركت فى هذا المسار فى الداخل الليبى من خلال استقبال ولقاء كل الأطراف الليبية المعنية، كما تحركت مصر خارجيا ضمن هذه الرؤية، وكانت البداية بإعادة الوجود الدبلوماسى المصرى فى ليبيا عبر عودة عمل البعثة الدبلوماسية فى طرابلس والقنصلية المصرية فى بنغازى، بالإضافة إلى مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى المحافل المختلفة للتأكيد على ثوابت الحفاظ على أمن واستقرار ليبيا، من خلال العمل على عدة مسارات كان أبرزها ما أكد عليه الرئيس السيسى فى أكثر من مناسبة اخرها مؤتمر باريس، بضرورة خروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة التى تفتئت على حق الشعب الليبى ومقدراته، فضلا عن تقديم يد العون لليبيين وصولا إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وصولا إلى تشكيل حكومة منتخبة ديمقراطياً، وجاءت مخرجات قمة باريس لتؤكد الرؤية المصرية للمسارات الأمنية والسياسية الليبية، من حيث ضرورة استمرار القوى الدولية بالدفع نحو عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وخروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضى الليبية، وبلورة مدى زمنى لذلك، والتأكيد على أهمية توحيد المؤسسات الليبية بكل مكوناتها، وإجراء الإصلاحات الاقتصادية.
وكان للموقف المصرى الواضح تجاه الأوضاع فى ليبيا بالغ الأثر فى مرور الجارة الغربية من أزماتها، فقد كان تحديد الرئيس السيسى للخط الأحمر «سرت الجفرة» دور كبير فى إحداث تحول جيوسياسى داخل الأراضى الليبية، وبدء حوار ليبيى ليبيى، كان مفتقدا لسنوات طويلة، وساعد على ذلك الدور المصرى النشط مع كل الليبيين دون استبعاد لاحد، وصولاً إلى الهدف المنشور وهو تحقيق أمن واستقرار ليبيا.
وفى القضية الفلسطينية وبينما كان العالم منشغلا بالاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، كانت مصر تعمل على الأرض لتأمين التوصل إلى إيقاف لإطلاق النار، وهو ما نجحت فيه فعلياً، وبات واضحا للجميع أن مصر لا تتحرك من فراغ، وإنما برؤية واضحة وشاملة، وظهر ذلك حينما أعلن الرئيس السيسى قبل ساعات من إعلان التوصل لوقف إطلاق النار، تخصيص مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة مصرية لصالح عملية إعادة إعمار قطاع غزة، ليمثل أعظم برهان على موقف مصر الراسخ من الأشقاء فى الأراضى الفلسطينية المحتلة وتكملة لدور مصر الناجع فى وقف التصعيد فى قطاع غزة وتحقيق التهدئة المرجوة، وفى الوقت نفسه واصلت مصر الخارجية اتصالاتها ومساعيها سعيًا نحو تحريك الجمود الحالى فى مسار السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وسبل مواصلة دعم الأشقاء الفلسطينيين وتوفير الدعم التنموى لسائر الأراضى الفلسطينية، كما واصلت القاهرة مواقفها الداعمة لفلسطين فى مختلف المحافل الإقليمية والدولية.
وخلال لقاءاته تمسك الرئيس السيسى بالموقف المصرى، فخلال استقباله لرئيس الوزراء الإسرائيلى فى سبتمبر الماضى، شدد الرئيس السيسى على دعم مصر لكل جهود تحقيق السلام الشامل بالشرق الأوسط، استنادًا إلى حل الدولتين وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية، بما يسهم فى تعزيز الأمن والرخاء لكل شعوب المنطقة، وبعدها حينما استقبل الرئيس السيسى كلا من الملك عبدالله الثانى ملك المملكة الأردنية الهاشمية، والرئيس محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، تم التأكيد على الموقف المصرى تجاه القضية الفلسطينية.
الموقف المصرى تجاه المسألة الليبية، والقضية الفلسطينية هما خير برهان على السياسة الإطفائية التى تقوم بها الدولة المصرية تحت قيادة الرئيس السيسى، والتى امتدت لأزمات أخرى كثيرة سواء فى محيطنا العربى فى اليمن والسودان وسوريا ووصولاً إلى عودة الوئام للعمل العربى المشترك، أو فى الإطار الأفريقى، حيث كانت مصر ولا تزال ترفع شعار «أفريقيا للأفريقيين» من خلال طرح حلول واقعية وعملية تساهم فى قضية التنمية الأفريقية، ومنها ما ظهر خلال استضافة القاهرة قبل شهر لاجتماع الكوميسا، وما سبقها من تحركات مصرية واعية نحو التوصل إلى توافق أفريقى حول اتفاقية تجارة حرة أفريقية.