ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، أن تصبح الكاميرا فاعلا فى الأحداث، وتتسبب فى مشكلات وقضايا، تعيد الجدل حول الخيط الفاصل بين العمومية والخصوصية، ومنذ دخلت الكاميرا على الموبايل تغير الكثير من المفاهيم حول الخاص والعام، ومساحة الحرية المتاحة للفرد ما دام خارج حدود منزله، وحتى داخل المساحة المكشوفة من المنزل.
نقول هذا بمناسبة ما جرى بعد نشر مشاهد رقص على مركب خاصة لرحلة مدرسية، وتداعيات هذا التى انتهت بالتحقيق وعقاب مدرسة، وهذه الوقائع تثير جدلا بين قطاع يرى أن ما جرى على المركب فعلا لا يليق بمعلمين، وأن الوجود فى مكان عام يستدعى الاحتراز من وجود كاميرات، بينما يرى آخرون أن الأمر كله تم خارج المدرسة وفى مناسبة يحضرها زملاء يتصرفون على راحتهم، وبعيدا عن الجدل، فإننا فى مجتمع متنوع، فليس كل الناس مثاليين. الانتقال من الخاص إلى العلن أصبح سهلا فى عصر الاتصال والكاميرا، حيث تسقط الحواجز بين الخاص والعام، ما دامت قد خرجت من المنازل إلى أماكن عامة حتى ولو جلسات خاصة، وهذا ليس له علاقة بإدانة فعل التصوير والنشر لمناسبات خاصة.
قبل أسابيع، جرت واقعة السيدة الأجنبية التى التقط لها أحدهم فيديو وهى فى بلكونة منزلها، ونشر الفيديو بزعم الدفاع عن القيم، بينما هو يعتدى على خصوصيتها، وعملية التصوير والنشر على السوشيال ميديا جريمة، وفى بداية العام الماضى، تفجرت قضية نشر فيديو لسيدات فى نادٍ كبير، أثناء تداول أشكال لألعاب وتورتات، وثار الجدل وقتها بين من أدانوا تصرف عضوات فى مكان وناد عام، وبين من يدين فكرة التلصص والتصوير والنشر، ثار سؤال: هل هناك من التقط الصور ونشرها، أم أن النشر تم من خلال جروبات مغلقة؟ حيث لا يوجد ما يمكن تسميته جروب مغلق، وهناك سوابق كثيرة تم فيها تسريب حوارات أو صور، رغما عن المشاركين، ما أدى لمشكلات وأحيانا لفضح أعضاء هذه الجروبات.
والواقع أننا فى واقعة المدرسة على المركب أو السيدة الأجنبية فى البلكونة، فالموضوع ما دام قد خرج للعلن، يمكن توقع التنوع فى ردود الفعل من كل طرف، والمجتمع ليس من الملائكة ولا الشياطين، بشر يريد كل منهم أن يدلى برأيه، سواء عن اقتناع أو مزايدة.
هناك من ينطلق من زاوية أخلاقية أو دينية، أو عقلية أو طبقية، وكلها تفاصيل موجودة نراها كل يوم، وتظهر أكثر من مثل هذه الأحداث أو مع غيرها، حيث يميل كثيرون للتبسيط، بينما التفاصيل والتقاطعات معقدة ومتشابكة، ومن السهل على كل طرف أن يصدر حكما، ويرى أنه حسم القضية، بينما التفاصيل أكثر تعقيدا.
نحن أمام تفاصيل تتعلق بالفواصل بين العام والخاص، وهى غير واضحة ولا يمكن حسمها برأى أو رغبة، خاصة عن حدث يجرى فى مكان عام، أو حدث تم نشر صوره على الملأ، ومع الإنترنت ومواقع التواصل تسقط الكثير من الحواجز، ويفقد من يشارك جزءا من حريته وخصوصيته، ما دام قد أعلن عن نفسه وصوره وحياته على صفحات التواصل، ولا علاقة لهذا بالقواعد الأخلاقية أو القانون، مع الأخذ فى الاعتبار أن التلصص أصبح أحد مفردات التعامل مع الكاميرات، لدى البعض وليس الكل، وبالتالى فإنه من الصعب ضمان النتائج إذا كان الفعل يدور خارج حدود المنازل، وقد تكون هناك مطالب بتجريم الفعل ومعاقبة مرتكبه، لكن هذا لا يكفى فى ظل وجود تنوع فى الآراء والقيم الحاكمة لكل فريق.
العيب هنا ليس فى الكاميرا، وإنما فيمن يسيئون استعمالها، الكاميرات مطلوبة فى الشوارع والميادين، لضبط المرور وتوثيق الأحداث، وقد تساهم فى عمل صحفى أو إنسانى بشرط تحديد الخيط الفاصل بين العام والخاص.