مشهد المسلمين والمحجبات فى قداس عيد الميلاد بالعاصمة الإدارية، وأصوات الزغاريد فى استقبال الرئيس، هو مشهد يلخص الخلطة المصرية التى أحياها الرئيس السيسى، ودعمها، وأكدها فى 9 زيارات قدم فيها التهانى، وهو يوجه خطابه للمصريين.
وحسبما أعلن القمص إبراهيم إبرام إميل، وكيل عام البطريركية بالإسكندرية: «اعتدنا فى مناسباتنا على حرص المسلمين على المشاركة معنا فى الاحتفالات والصلوات، ووجود مسلمات فى القداس أمر مألوف وغير مستغرب»، كان يعلق على صور فتيات محجبات يلتقطن صورا لفعاليات القداس.
«فى مصر فقط»، تعبير نقرأه كثيرًا فى مشاهد حياة المصريين، أن ترى رجل أمن مسلمًا يصلى داخل كنيسة، وأمام تمثال العذراء، ومسيحيًا يحضر خطبة الجمعة، أو تسمع قرآنًا يتلى فى عزاء مسيحى، أو ترى مسلمين داخل كنيسة، وهى مشاهد تثير مزيجًا من الدهشة والفرح، والواقع أن من عاشوا قبل فترات التطرف والتعصب يعرفون أن هذه المشاهد طبيعية للغاية، وتعكس جزءا من التعامل اليومى للمواطنين فى مصر حتى السبعينيات، عندما بدأت التفرقة بين المصريين على أساس العقيدة، بين المسلم وزميله القبطى فى تفاصيل لا علاقة لها بالعقائد، وإنما بالمعاملات.
صورة المحجبات والمسلمين داخل الكاتدرائية أثناء قداس عيد الميلاد، وفى استقبال الرئيس داخل كنيسة ميلاد المسيح، تعبير فعلى عن واقع العلاقة بين المصريين، زغاريد مصريات محجبات يحضرن القداس ويحتفلن مع مسلمين تم توجيه الدعوات لهم، فى مشهد يعرفه من عاشوا قبل السبعينيات من القرن العشرين، عندما كان حضور المسلمين للكنيسة طقسًا طبيعيًا لا يتطلب تفسيرات، وقت أن كان شم النسيم عيدًا مصريًا، وليس مسيحيًا أو مسلمًا، رغم أنه يتزامن مع احتفالات الفلاحين بالحصاد والشهور القبطية، وأيضًا احتفالات الأقباط بأعياد القيامة و«حدّ السعف» وبقية المناسبات الدينية.
عاشت أجيال ترى شم النسيم عيدًا مصريًا للحصاد والنيل، وتلوين البيض، ورغم أن احتفالات الربيع توجد فى كل العالم بأشكال مختلفة، لكن شم النسيم له شكل خاص مصرى، وأيضًا فى عيدى الفطر والأضحى يتشارك المصريون الكعك واللحوم، والحلويات فى رمضان.
لهذا فإن مشهد المسلمين والمحجبات داخل كاتدرائية ميلاد المسيح فى العاصمة الإدارية، هو المنظر الطبيعى الذى يعبر عن المصريين بتنوعاتهم وتعددهم واختلافهم مع الاعتراف والتعايش مع اختلاف طبيعى يتماشى مع العقائد وطريقة العبادة من دون السعى لإصدار أحكام بالإيمان من عدمه، وهى سلوكيات وردت مع التطرف والتعصب، حيث بدأت فتاوى تحريم الاحتفال بشم النسيم، أو حتى تهنئة المصريين لبعضهم بأعياد الميلاد.
المصريون - ومن دون أى إحساس بالشوفينية والادعاء - لديهم تراث اجتماعى من التعايش والامتزاج والتفرقة بين ما هو اجتماعى يتعلق بالعقائد وخصوصيتها، وهى القيم التى سعى المتطرفون لضربها، وهو أمر نجح فى دول أخرى لكنه فشل فى مصر بفضل الخلطة التى تنتصر على أى فتن، وهو أمر يؤكده الرئيس السيسى ويشدد عليه دائمًا، وهو يحيى الخلطة المصرية للتسامح، ويؤكد أن وحدة المصريين هى الضامن للنجاح والانتصار على أى محاولات للفتنة، التى عمل المتطرفون - خلال عام واحد فقط - على تأجيجها وإشعالها، ما كان سببًا فى انتفاضة المصريين للإطاحة بحكم التطرف.
لقد تعرضت مصر لهجمات وتداخلات على مدار عقود سعت للتفرقة والتعامل مع الأمر باعتباره خلافًا دينيًا، صدرت فتاوى تحرم الاحتفال بشم النسيم، أو تحرم حتى تهنئة المصريين بأعياد الميلاد، وهى فتاوى لا علاقة لها بالدين، أو الاعتقاد، بل بالجاهلية والأفكار المتعصبة.
اليوم فإن الرئيس والدولة يصيغان رغبة المصريين فى التعامل مع واقع يسوده التسامح، وينتصر فيه التنوع، واقع يتشارك فيه المصريون إحياء الموالد، ومولد الحسين، والسيدة، أو مولد العذراءو وهو مشهد عبر عنه حضور الرئيس وزغاريد المسلمين والمحجبات فى القداس.