يحتفل الأمريكيين، اليوم الخامس عشر من يناير بذكري ميلاد الدكتور القس مارتن لوثر كينج ، الذي قاد نضالاً سلمياً من أجل الحرية والمساواة بين البيض والسود في عصر كانت العنصرية حاكمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
ولد مارتن لوثر كينج الابن في 15 يناير 1929 في أتلانتا، جورجيا، لأبويه القس مايكل الأب وألبيرتا التي كانت تعزف البيانو في كنيسة الحي. سمّته أمه "مايكل" تيمنا بأبيه، وهو الاسم المدوّن في شهادة ميلاده – لكن والده المتديّن أصر على اسم مارتن لوثر تيمناً بالمصلح مؤسس الكنيسة البروتستانتية اللوثرية مارتن لوثر.
وتصدى مارتن لوثر كينج للعنصرية مبكراً، فحينما كان صبياً، حظر عليه والدا صبي أبيض كان يصادقه اللعب معه. وعندما سألهما عن السبب قالا له: "نحن بيض وأنت ملوّن أسود". وعندما حكى الواقعة لأبويه تلقى منهما أول دروسه في تاريخ العبودية والتمييز في وطنه. وتعزز لديه مفهوم التمييز العنصري عندما كان يستقل حافلة مع أحد معلميه، فأمره صبي أبيض بأن يترك له مقعده وعندما رفض تدخل معلمه وأخبره بأنه ينتهك القانون وقد ينتهي به الأمر في السجن إن لم يستجب للأمر، ففعل.
وتتزامن ذكري ميلاد مارتن لوثر كينج مع معركة سياسية يخوضها الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الحزب الجمهوري لتمرير قانوني انتخاب يهدفان لتعزيز قاعدة الناخبين في الانتخابات الأمريكية بشكل عام ، واختار بايدن يوم الثلاثاء الماضي مسقط رأس مارتن لوثر كينج للإلقاء خطاب أثار الكثير من الجدل ، ألمح خلاله إلى اعتزامه التدخل لتعديل قواعد تمرير القوانين داخل مجلس الشيوخ ، حيث يشغل الديمقراطيين 51 مقعداً مقابل 50 للجمهوريين ، فيما تقتضي الموافقة على التشريعات تأييد 60 صوتاً.
واختار بايدن جورجيا، الولاية الجنوبية التي كانت تعتمد العبودية وترمز إلى النضال من أجل الحقوق المدنية في السابق والخلافات السياسية اليوم، للدفاع عن هذا الإصلاح، وألقي خطابه أمام طلاب في جامعات مرتبطة تاريخياً بمجتمع الأميركيين السود.
ووصف بايدن خلال الخطاب "أتلانتا" بأنها "مهد النضال من أجل الحقوق المدنية"، قائلاً: "منذ شهرين وأنا أجري محادثات سرية مع أعضاء الكونجرس، لن أصمت بعد الآن إزاء عرقلة المعارضة الجمهورية إقرار مشروعي قانونين أساسيين يحميان حق الأقليات في التصويت".
ويمتلك مارتن لوثر كينج مسيرة حافلة بالنضال ضد التمييز العنصري، وفي 1963 اعتقل وسجن بتهمة الإخلال بالأمن والنظام لقيادته تظاهرات احتجاج على معاملة السود في بيرمنجهام. وكانت هذه واحدة من 29 مرة أودع فيها السجن لتنظيمه وقيادته مسيرات وتظاهرات تطالب بالحقوق المدنية للسود
خطاب الحلم
وفي مايو 1957 ألقى كينج خطبته الأولى على المستوى القومي تحت نصب أبراهام لينكون التاريخي. وطالب أمام نحو 30 ألف شخص بحق التصويت للسود ومشاركتهم في تشكيل المؤسسة السياسية الأمريكية. وبعد ست سنوات، في خضم سلسلة لقاءات مواجهة له بالرئيس الأميركي وقتها ليندون جونسون، قاد كينغ في 28 أغسطس 1963 مسيرة للسود - شارك فيها ربع مليون شخص على الأقل من دعاة المساواة من كل لون وملّة في واشنطن تطالب بالحريات المدنية والمهنية ووضع حد للتمييز العنصري في البلاد. وتحت نصب أبراهام لينكولن التاريخي ألقى كينغ خطبته الشهيرة "لدي حلم" التي دامت 17 دقيقة مثلت أكبر منعطفات حركة الحقوق المدنية وأحد أهم الخطب السياسية بطول تاريخ الولايات المتحدة.
وبدأ كينج خطبته الشهيرة " لدي حلم " مستلهماً بنود "إعلان التحرر" الذي فك في 1863 ملايين السود من قيود العبودية. وقال إنه بعد مرور مئة سنة على ذلك الإعلان "يظل الزنجي مفتقراً إلى حريته".
في سبتمبر 1958، وقع كينج على نسخ من كتابه "خطوات نحو الحرية" في هارلم، بولاية نيويورك، ليتعرض في ذلك الحين لمحاولة اغتيال، عندما أتت اليه امرأة وسألته أن يؤكد لها هويته. ففعل، وما كان منها إلا أن غرست سكين مظاريف بطول سبع بوصات في صدره أخطأت قلبه بما لا يزيد عن مليمترات قليلة. وأُنقذت حياته فقط لأنه خضع لعملية جراحية فورية. وفي فترة نقاهته بالمستشفى أصدر بياناً قال فيه إن الحادثة عززت إيمانه بالنضال السلمي وإنه يغفر لمهاجمته فعلها.
وفى 4 إبريل 1968، كان كينغ يقف مع بعض أعوانه على شرفة غرفته (رقم 306) بالطابق الثاني في فندق "لورين" الصغير، ميمفيس. وفي تمام الساعة السادسة ودقيقة مساء أطلق عليه شخص يدعى جيمس إيرل راي النار من بندقيته، فأصابه في خده برصاصة وجدت طريقها إلى نخاعه الشوكي. ونقل سريعاً إلى مستتشفى سان جوزيف وخضع لجراحة غير ناجحة إذ لفظ نفسه الأخير بعد ساعة وأربع دقائق من إصابته.
أما القاتل راي فقد قبض عليه واعترف بفعلته ثم تلقى الحكم بإعدامه. لكن هذا خُفف إلى السجن المؤبد لأسباب عدة من ضمنها أن عائلة كينج نفسه كانت ضد عقوبة الإعدام، وأن القاتل راي وفقًا للعائلة مجرد اليد المنفذة لمؤامرة كبيرة وقفت وراءها مؤسسات حكومية على المستويين المحلي والفيدرالي وأيضاً المافيا.