كانت الساعة الثامنة والنصف صباح 19 يناير 1979 حين صعدت روح الفنان الكبير صلاح منصور إلى السماء عن عمر 56 عاما.. قضى منها نحو 32 عاما فى محراب الفن يقدم أدواره التى تركت بصمات فى تاريخ السينما المصرية، خاصة مع المخرج صلاح أبوسيف فى فيلم «بداية ونهاية»، بتجسيده دور «سليمان البقال» الذى يستغل عنوسة وفقر «نفيسة» التى جسدتها «سناء جميل»، ويخدعها، لتضيع فى مستنقع الرذيلة، ثم تحفته الفنية فى «الزوجة الثانية» فى دور «العمدة عتمان» الذى يطمع فى زوجة فلاح فقير مسكين فيطلقها منه ويتزوجها أملا فى «الخِلفة» المحروم منها من زوجته الأولى «سناء جميل»، خاصة إنجاب الولد، لكنه يموت دون أن يطول ولو مرة واحدة زوجته الثانية «سعاد حسنى»، ويحوز بهذا الدور على لقب «عمدة السينما المصرية».
هو الأب «سلامة» التاجر فى فيلم «البوسطجى» عن رائعة يحيى حقى، وإخراج حسين كمال، الذى يقتل ابنته بسكين فى قلبها لوقوعها فى الخطيئة، ويحمل جثمانها، ويدور به فى شوارع القرية فى مشهد يخلع القلوب، وهو «الأحدب» فى فيلم «مع الذكريات» عام 1961، تأليف وإخراج سعد عرفة، ووفقا للأهرام «20 يناير 1979»: عندما عرض الفيلم فى لندن عام 1962، وكان الممثل العالمى «شارلز نوتن» ضمن المتفرجين، قام بعد نهاية الفيلم يصفق لصلاح منصور ثم صافحة وقبله، وألقى كلمة قال فيها: «لو أن هذا الممثل الموهوب موجود عالميا لكنت غنيت له، وسلمت له الشعلة من بعدى».
كان ممن يؤدون أدوارهم الفنية بطبيعية وتلقائية مدهشة، وكان من عشاق صوت الشيخ مصطفى إسماعيل، يلف وراءه فى أى مكان لحضور أمسياته فى تلاوة القرآن الكريم، ومعه فى ذلك الكاتب الساخر محمود السعدنى الذى يذكر فى مذكراته «الطريق إلى زمش»: «لم أكن وحدى الذى أتعقب الشيخ مصطفى إسماعيل، وأسافر خلفه من القاهرة إلى طنطا، وأحيانا إلى دسوق، ولكنها كانت شلة كبيرة من بينها الفنان الكبير صلاح منصور».
أحب فنه، وأخلص له، فتسلل للقلوب دون استئذان، وكانت ساعاته الأخيرة شاهدا.. يذكر الكاتب الصحفى كمال الملاخ بالصفحة الأخيرة فى «الأهرام، 20 يناير 1979»: «قبل أن يموت بساعة واحدة فى مستشفى العجوزة، دبت فيه شعلة النشاط، وصوت قوى يرتفع ولغرابة القدر كان يمثل شخصية الأمير «هاملت» أمام شقيقه جمال «المخرج» الذى طلب منه أن يمثل دور الأم، حاولت زوجته تهدئته أو أن يرجئ المشهد لوقت آخر حتى لا يستيقظ المرضى بالمستشفى، وحتى لا تضر الانفعالات بصحته، لكنه استمر يمثل مشهد مخدع الملكة فى المسرحية العالمية التى بدأ بها عمله فى الإذاعة منذ أكثر من 35 عاما، وبعد أداء المشهد طلب أن يعيده مرة أخرى، فقال له شقيقه جمال: طيب مثل انت دور الأم، وأنا هاملت، إشفاقا عليه من مجهود غريب لفنان يحتضر، وقال له، إن دور الأم انفعالاته أقل، ولكنه رفض وأصر على تمثيل الدور مرة أخرى، وبعدها بساعة أسلم الروح وهو جالس على سريره، بنفس الوضع الذى كان عليه طوال شهرين.. كان لا يستطيع النوم جالسا، بسبب تسرب المياه إلى رئته بينما الأخرى مصابة بورم سرطانى».. يضيف «الملاخ»: «أمس الأول» 18 يناير 1979، كان يتحدث عن وفاته قائلا: كده حاتسيبونى أموت، ده أنا بأموت، ثم يعود لسيرة الفن قائلا: «الدور ده بتاعى لازم يتغير، أنا طالبت تعديلات فيه، لازم يتغير».
ولد عام 1923 فى «شبين القناطر» بمحافظة القليوبية، وبدأ حياته الفنية مبكرا على المسرح القومى عام 1940، ووفقا للأهرام: «بعدها بعامين عمل محررا صحفيا فى مجلة روزاليوسف، وكان أول حديث صحفى له مع المطربة أسمهان، ثم التحق بمعهد التمثيل وتخرج منه سنة 1947 ومن دفعته فريد شوقى وشكرى سرحان ونعيمة وصفى، وفى نفس السنة مثل أول أدواره فى السينما فى فيلم «شاطئ الغرام» مع حسين صدقى وليلى مراد، وانضم فى سنة 1953 إلى فرقة «المسرح الحر».
فى سنة 1954 نال جائزة أحسن ممثل مصرى فى مسابقة لإذاعة «صوت العرب»، وفى سبتمبر 1963 حصل على جائزة السينما عن دوره فى فيلم «لن أعترف»، وفى العام التالى نال جائزة السينما أيضا عن دوره فى فيلم «الشيطان الصغير»، وفى 1966 منحه الرئيس جمال عبدالناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وفى المسرح لعب بطولة مسرحيات «الناس اللى تحت» و«خايف أتجوز» و«ملك الشحاتين» و«برعى بعد التحسينات» و«زقاق المدق» و«يا طالع الشجرة» لتوفيق الحكيم، وأخرج «عبدالسلام أفندى» و«الفراشة» و«بين القصرين».
تؤكد «الأهرام»، أنه مات وله ابن هو مجدى، وعمره 14 عاما، وتوفى ابنه الآخر عام 1976 بعد علاج 4 سنوات من الصم والتخلف وكان يسافر به كل عام إلى لندن.. فى 20 يناير، مثل هذا اليوم، 1979 شيعت جنازة الفنان الكبير، وكان اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر فى مقدمة مشيعيه.