تحديات عدة تواجهها الدولة التونسية، كانت الدافع الرئيسى وراء الإصلاحات المتواترة التي اتخذها الرئيس قيس سعيد، لتحقيق الاستقرار، فيما يتعلق بالعديد من المجالات، لا تقتصر في نطاقها على السياسة، وإنما تمتد إلى الوضع الصحى، والاقتصادي والقضائى، والاجتماعى، من أجل تعويض ما فات، خلال سنوات الفوضى، والتي بدأت بحقبة ما يسمى بـ"الربيع العربي"، مرورا بالمستجدات التي لاحقت البلاد بعد ذلك، إثر سيطرة حركة النهضة، والتي عاثت في الأرض فسادا، من أجل تحقيق هدف وحيد وهو السيطرة على زمام الأمور، والاستئثار بالسلطة، انطلاقا من أكثريتهم البرلمانية، ضاربين بالدستور والأعراف السياسية عرض الحائط، وهو ما دفع الرئاسة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة، منها حل البرلمان وإقالة الحكومة السابقة، والعديد من أصحاب المناصب، ممن استغلوا مناصبهم لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية، على حساب المواطن.
ومساء الأربعاء، أقدم الرئيس سعيد، علي وقف المنح والامتيازات المالية الخاصة بأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، ما يمثل امتدادا صريحا لما يمكن تسميته بـ"شمولية" الإصلاح، والذى لم يتوقف بحسب رؤية السلطة الحاكمة على مؤسسة بعينها، وإنما تمتد إلى كافة المؤسسات، خاصة وأن القضاء كان أحد أهم الأولويات التي يضعها الرئيس التونسى على عاتقه، منذ اعتلاءه السلطة في البلاد، بحكم دراسته القانونية، وإدراكه العميق لأهمية تلك المؤسسة لتحقيق العدالة الناجزة، وكبح جماح الجريمة، ومحاربة الفوضى في المجتمع، خاصة مع المعاناة الكبيرة التي عاشها التونسيون في العقد الماضى.
وفي تصريح سابق، قال الرئيس التونسى إن القضاء يجب أن يلعب دوره التاريخي خلال المرحلة القادمة وأن يكن عادلا ولا يظلم أحدا، موضحا أنه لا يمكن أن تبقى القضايا في رفوف المحاكم لمدة سنوات نتيجة وجود أطراف تسللت إلى القضاء كالسرطان. وأكد أن هناك قضاة شرفاء في تونس، بينما هناك قضاة آخرون يعملون لصالح أطراف أخرى، حيث وجه حديثه مباشرة إليهم بقوله "الصواريخ موجودة على منصات إطلاقها وتكفي إشارة واحدة لتضرب هؤلاء الفاسدين في أعماق أعماقهم".
الإصلاح في تونس امتد ليشمل العديد من الجوانب الأخرى، ربما أبرزها التعامل الحاسم مع أزمة كورونا، حيث شهدت عمليات التطعيم توسعا كبيرا، بينما تلقت البلاد 160 طنا من الأكسجين السائل من الخارج، للمساعدة في الجهود المبذولة لمواجهة جائحة كورونا مؤخرا، في انعكاس صريح لحالة من التضامن الدولى مع تونس، وخطواتها الجادة ليس فقط لاحتواء الأزمات اللحظية الراهنة، وإنما أيضا لجهود الإصلاح الشامل في البلاد، والذى يمتد إلى كافة المؤسسات العاملة في مختلف المجالات، لتحقيق مصالح المواطن التونسي، بعيدا عن حسابات السياسة وانتهازيها.
تجربة الإصلاح التونسية تحظي بدعم عربي ، وهو ما ظهر واضحاً خلال استضافة الرئيس عبدالفتاح السيسي لوزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة، وزير الشئون الخارجية الجزائرية حيث أكد الجانبان على استمرار الدعم العربي للرئيس قيس سعيد، وما يقوم به من إجراءات وجهد حثيث لتحقيق الاستقرار في البلاد.
ولا يقتصر الدعم الذي قدمته مصر علي الدعم السياسي، ففي وقت سابق، قال السفير التونسي بالقاهرة محمد بن يوسف، إن نجاح الحكومة المصرية في احتواء أزمة انتشار فيروس كورونا وعدم اللجوء للإغلاق الكامل على غرار ما حدث في العديد من دول العالم يمثل تجربة فريدة تسعى العديد من الدول حالياً لتبنيها بهدف الحفاظ على استمرار دوران عجلة الإنتاج وتحقيق مؤشرات نمو إيجابية وبصفة خاصة في مجال التصدير.
ولا يقتصر الأمر على دعم الدول العربية وعلى رأسها مصر لتونس، وإنما امتد إلى المستوى الجمعى، عبر جامعة الدول العربية، والتي أكد أمينها العام أحمد أبو الغيط في أكثر من مناسبة على دعمه للإجراءات التي تتخذها الدولة التونسية، مشيدا بالرؤى التي يتبناها الرئيس قيس سعيد.
ففي خلال زيارته للعاصمة التونسية في أكتوبر الماضي، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط على رغبة سعيد في استعادة الدولة الوطنية وإعطاء الشعب فرصة كاملة من أجل حياة كريمة، معربا عن ثقته الكاملة في الشعب التونسي والقيادة الحالية واعية بالقدرة على الصمود واختيار ما هو صالح للشعب والمستقبل